إسرائيل المهزومة: لماذا ومتى وكيف؟ (6)

تأتي موجه الابادة للاخر الاسرائيلية/ الامريكية الحالة ضمن سياقات تحولية انتقالية انقلابية تاريخية، لايمكن التعامل معها او تعريفها، فضلا عن التفاعل معها بما يجب راهنا لاسباب موضوعيه متاتية من ثقل وطأة التراكمات التاريخية الراسخة من جهة، وفعالية القصورية العقلية ومتبقايتها التي تستمر الى اليوم فاعلة لمصلحة الماضي، ومامعتبر من قبيل قوانينه المفترضة على توهميتها الكبرى، بمعنى ان مانشهده هو حدث فاصل  انتقالي ضمن لحظة هي من دون شك مع مترتباتها وما ينجم عنها،  ضرورة لاكتمال اسباب تبلور عناصرها المستجدة الانقلابية النوعية على مستوى الحياة البشرية، والوجود كما  كان بالامكان وعيه والتعامل معه الى اليوم ابتداء منذ التبلور المجتمعي.

فاسرائل ومعها أمريكا يجاهدان بأقصى الممكن التدميري للآخر، من منطلق الاصرار على الابقاء على ما قد انتهى دوره وصلاحيته، وبمقدمته الكيانوية وماعرف بـ”الدولة الوطنية” التي لم تعد قابلة للعيش والاستمرار، فاذا كان مايشار اليه مايزال  بالامكان اعتماده ارادويا توهميا مع الايهام بامكانية استمراره، لابل والايحاء بوجاهته واتفاقه مع المنطق، فلان نقيضه ومامفترض انه  بديله الطبيعي الذي حلت ساعته وصار هو الواقع المجتمعي الموافق للطور والزمن كما قد آل وانتهى بعد “اليدوية”، ومع تدرجات الالية الذاهبة من هنا فصاعدا الى الانتاجية العقلية، ممثلة بوسيلة الانتاج “التكنولوجيه العليا” المفارقة للجسدية /مجتمعية الحاجاتية لم يحضر ولا لاحت في الافق بعد ملامحه واشكال واليات تجسده.

وليس انتقال العقل الى المنظور العقلي المجتمعي المتنامي بالامر المتاح والمتوفر بداهة، او الذي يتوقع المبادرة للتعرف عليه وادراكه حتى لو ظهرت اشارات  واقعية اولية دالة عليه، هي بالاحرى وتظل لثقل المخزون المكرس عقلا، منظورا لها  بحكم الاعتياد الطويل جدا، وكانها من خارج العالم، ما يجعل محاولة ايصال المقاربة المستجده بحد ذاته من قبيل المهمه التاريخيه المديده، والاصطراعية غير المعروف مايشابهها سياقا وتحققا الا لمرة واحدة في التاريخ البشري ضمن شروط غلبة الارضوية، لخصوصية تحققيتها، كما يمكن على سبيل المثال العودة الى السردية اللاارضوية “الابراهيمية” المقابلة للفلسفية الارضوية الاغريقية، مع ابراهيم وعزلته الدعوية الطويلة، ومساراتها على مدى قرون، وما قبلها من تاسيسات  تبعت الانتقال من “الصيد واللقاط” الى “التجمع+ انتاج الغذاء” قبل التحققية   الكونية مابين الصين واوربا الغربية، وصولا لامريكا الراهنة، تلك العملية الحدسية، الاولى الموسوية، ثم المسيحية، وصولا الى المحمدية، هذا ونحن اليوم بصدد الرؤية التحققية اللاارضوية الثانيه،  وقد انتقلت الى “العلّية” وريثة وعلى انقاض الحدسية النبوية.

وقد يكون الاشكال الاعظم هنا متولدا عن كون الوضع المراد ايصاله اليوم، وكما هو بالاصل، وكما كان على مر التاريخ المجتمعي، هو “عالم آخر” غير مدرك، وجد وظل قائما كأهم دالات القصورية العقلية، بما يعني في الوقت ذاته “عقل اخر”، اي اننا امام انبثاق او اكتمال عناصر “العقل الاخر” البشري غير المماط عنه اللثام، بما هو حالة نمو عقلي تشكلي، بما يجعلنا امام مروية تقول بان الكائن البشري يبدأ مع تبلور المجتمعية بنوع من العقل والوعي مؤقت وعارض، متناسب مع اشتراطات اليدوية، وصولا عند نهاية الطور الحالي وتفاعليته واختباراته الى العقل الانساني، على  انقاض “العقل الانسايواني” الاول بكل مايتميز به من الاحادية المكرسة لنوعه، مايفترض توقع الحضور القصوري واصراره على رفض ماعداه وعيا وادراكا، بالتحديد ابان بدايات ظهور الدالات الاولى على الخروج من القصورية العقلية طويلة الامد والحضور.

ينظر الامريكي والاسرائلي  ومعهما الغرب ككل، وهو يندفع نحو الابادية تكريسا للبقاء والاستمرارية في غير زمنها، وعند لحظة انقضاء صلاحيتها بتهويم  اعتيادي بلا تدقيق، مع اعتبار المتوفر نموذجا وادراكا حقيقة مطلقة غير قابلة للتدقيق، او حتى التوقف وقد صار تكريسها بحد ذاته مهمة و غرضية اساسية واجبه، مايضعنا امام حالة غريبه تليق بممارسات لايمكن التعرف عليها الا باحالتها الى اللا زمنيه واللاتاريخيه،  الخارجه عن اي معطى واقعي له ماض وحاضر ومستقبل، بما ان كل مايتصل بالاندفاع المشار اليه خارج زمنه،حال منته، ليس له مايجعله يقوم ويستمرالا ماقد تحقق من انتقالية (آلية / تكنولوجية) مطعمه باعلى مايمكن من التوهيمه الاعجازية، وما تولده من اغراء الانفصال عن الواقع والمعاش، الذاهب تكنولوجيا بالذات، الى مابعدها من نمطية مجتمعية نحو “الكونيه”، المضادة للوطنيه القوموية الكيانيه، ودولها كما كان ينبغي ان يكون عليه الحال ابتداء، مع انبجاس الالة  بصيغتها “المصنعية” اصلا.

يوم انبثقت الاله انتهى زمن الكيانية (الوطن/ قومية) وليدة زمن الانتكاسة الارضوية المرهونه لليدوية، بينما كانت اللاكيانيه المتعدية للمحلوية، ماتزال خارج الادراك او الحضور القريب من التجسيد، بانتظار تاريخ من التوهمية الكبرى الغربية التفكرية والنموذجية  التي  تعتمد متفاخرة تطوير ماهو وماكان قائما اتفاقا مع فعل الالة، ذهابا في نهاية المطاف الى  شبه المجتمعية المفقسه خارج التاريخ المجتمعي الامريكي الحالي، ونوع كيانيتها الامبراطورية مدعية الرسالية، الخارجة على الكيانوية الجغرافية المحلوية المنتهية الى التازمية القصوى المعولمة، حيث لاشكل كيانيه مطابق او يمكن ان يوجد كرؤية لااساس لها اصلا، مما يكرس حالة من الاصرار على الكيانيه خارج زمنها وشروطها، وقد تلبست سياقات الابادية المؤطرة بتوهميات قصوى، اقرب للخرافية الفكروية المستمدة من تعبيريات منتهية الصلاحية، في حين تتوالى اشكال الانهيار، ونذر نهاية الغرب بعد انتهاء القطبية وبدء انهيار الغرب  كما انهار نظام ادعاء الاشتراكية الايديلوجي  الشرقي(6).

وتبقى الخطورة الرهيبة الاكبر الشاخصة بوجه الكائن البشري عائدة بصيغتها الانتهائية  الى القصورية الملازمه للادراكية العقلية البشرية، مع توقف المقابل المضاد المتلائم مع اللحظة والجوهر التاريخي، بما هي لحظة محركها الازدواج المتقابل، الارضوي المنتهي الصلاحية، ومقابله اللاارضوي المستمر تعبيرا على ماقد مثله تاريخيا في الطور اليدوي الاول تحت شروط غلبة الارضوية واشتراطاتها، واذ تظل النبوية الحدسية سائدة حتى حينه كايمان بلا فعالية، فان درجة التازم التاريخي البشري تصل حدودا خارجه عن الوصف، بالاخص حين تذهب المجتمعية  الامريكيه الى الانصباب شرق متوسطيا، باحياء مالا لم يعد يتمتع بالصلاحية ككيانيه  كما كانت انشات خارج الممكنات الزمنيه مع قوة اثر الاله،  لتتحول اليوم الى قوة ازالة كلية للاخر من الوجود ضمانا لاستمرار ماقد انتهى زمنه واسباب وجوده،  بالارتكاز الى التوهمية المستجده  بفعل تقدم وسائل التدمير والقتل الجماعي تكنولوجيا، بظل انهيارية الغرب القيميه كمقدمه للانهيارية الكبرى الوشيكه والحتمية التي لامهرب منها.

يتبع…

أقرأ أيضا