بمناسبة قرب إقرار قانون العفو العام، حسب المعطيات والأحداث الجارية حاليا داخل أروقة مجلس النواب، تثار قضية مهمة، داخل المجلس وخارجه، ألا وهي مدى شمول مرتكبي جرائم الفساد بالعفو، وهل يتم شمولهم، أم لا. رئيس حزب قالها علنا: الفاسدون الهاربون لن يعيدوا الأموال إذا لم تفتح الدولة لهم الباب! عضو في اللجنة القانونية أكد على عدم السماح بتضمنين قانون العفو العام نصوصا تسمح بإخلاء المسؤولية أو إضعاف الردع العام لجرائم الفساد. نائبة قالت أن مسودة القانون، تتضمن نصا كارثيا يشير الى إمكانية شمول مرتكبي جرائم الفساد المالي والاداري بالعفو العام، بشرط تسديد ما بذمتهم من أموال أو إجراء تسوية بينهم وين الدوائر المتضررة مما ارتكبوه من جرم. فنحن اليوم، أمام خيارين لا ثالث لهما: أما أن نسترجع أموالنا ممن سرقها أو اختلسها، أو أهدرها، مع إطلاق سراح السارق والمختلس، أو ذهاب تلك الأموال مع بقاء سارقها في السجن! علينا أن نحدد وبشكل صريح، أي الخيارين يحقق المصلحة العليا للشعب؟
لاشك أن المبالغ المختلسة كبيرة جدا، ناهيك عن الهدر في المال العام، والذي يتسبب به موظفون وحتى وزراء، وإن مسألة استرداد تلك الأموال، وفقا للمعطيات الحالية، يعد ضربا من الخيال، لأن أغلب تلك الأموال تم نقلها الى الخارج، أو تم إخفاءها داخل البلد، وهروب المختلس أو السارق، لذا فهي أموال في عداد المفقودات! لكن: لو تم فتح نافذة قانونية ضمن قانون العفو العام، تسمح بإعادة تلك الأموال، مقابل العفو عنهم، بما يسمح باستعادة جزء كبير منها، فهل يعد هذا ضربا من ضروب إخلاء المسؤولية أو إضعاف الردع العام؟ ثم هل هنالك ردع حقيقي للفاسدين؟ هل ساهمت الأحكام الكثيرة التي تصدرها المحاكم ضد هذا الموظف أو ذاك بالتقليل من ظاهرة الفساد المالي والاداري؟ هل ساهمت الاجراءات التي تتخذها هيأة النزاهة بتحصين الوظيفة العامة من انحراف بعض موظفيها؟ للأسف، إن عجلة الفساد، لم تتوقف عن الدوران، بل لم تبطئ حتى، إذ يوميا نسمع عن اعتقال موظفين، والحكم على آخرين، والكشف عن حالات فساد هنا وهناك.
إذا أسلمنا لقول النائب هذا، وعدم تضمين النص الذي يسمح لمن اختلس أو سرق أو أهدر المال العام، بإعادته مقابل إطلاق سراحه، يعني أن تلك الأموال ستذهب مع الريح، ولن تتمكن كل قوانين الدولة العراقية من إعادتها، لأن المحكوم، بإحدى تلك الجرائم، سوف لن يقوم بدفع تلك الأموال أو تسديدها رغم امتلاكه لها، لأن القانون يسمح له بتسديدها على شكل أقساط شهرية الى الجهة المتضررة، وأقوى إجراء هو عدم إطلاق سراحه إلا بعد جلب كفيل ضامن. فهل من مصلحة الدولة أن تحصل على أموالها التي تمثل نهرا جاريا، مقابل بضع قطرات ماء شهريا؟ اضافة لذلك، ستضطر لصرف مبالغ مالية شهرية للمحكوم، كإطعام، والكل يعلم، القضايا التي اثيرت مؤخرا عن عقود الاطعام في السجون! هل هذا يحقق المصلحة العامة؟ أم يتم إطلاق سراحهم بعد تسديد ما بذمتهم من أموال، وبالتالي تحصل الدولة على أموالها، وتتخلص من عبء الانفاق على النزيل؟ نتفهم الحرص العميق للنواب وسعيهم الجاد لمحاربة الفاسدين، وتعزيز قيم النزاهة والردع العام، لكن المشكلة أن ذلك الحرص في بعض الأحيان، قد لا يكون من مصلحة الدولة العليا.