مع تاريخ الثاني من آب عام 1990 وصدور قرار (660) وسلسلة القرارات الشهيرة من مجلس الامن الدولي حول غزو العراق للكويت، والتي وضعت العراق تحت البند السابع، دخلَ العراق مرحلة جديدة تميزت بظهور العديد من الصناديق التنموية والإئتمانية التي تدير مشاريعه التنموية والانسانية، أهم تلك الصناديق صندوق (تنمية العراق) الذي تم من خلاله برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء في منتصف التسعينيات،لتستمر سلسلة الصناديق الى هذه الايام مع تدشين صندوق ائتماني مختص بإدارة الاموال المتدفقة من المانحين الدولين المخصصة لإعادة إعمار المناطق المحررة.
مناسبة كتابة هذه الكلمات كان توقيع وزير التخطيط العراقي (نوري الدليمي) مع نائبة الممثل الخاص للامين العام للامم المتحدة في العراق مذكرة تفاهم لادارة الاموال المقدمة من المانحين الدوليين للمناطق المحررة في العراق، تضمنت المذكرة إنشاء صندوق إئتماني لمرحلة التعافي وإعادة الاستقرار للمناطق المحررة.
الخبر الى حد هذه اللحظة يعتبر إيجابي نوعاً ما للمناطق المحررة وللعراق، لوجود اهتمام من المجتمع الدولي بإعادة إعمار المناطق المحررة، الجانب السلبي ينبثق من غياب الدور الحكومي العراقي وقبول الحكومة العراقية بشروط المانحين ورغبة الامم المتحدة بمواصلة دورهاالمتمثل بادارة تدفق الاموال في مرحلة التعافي وإعادة الاستقرار RECOVERY & RESTABLIZATION في المناطق المحررة، ما يخفى على الكثير إن آلية عمل هذه الصناديق التي إبتلى بها العراق منذ التسعينيات من القرن الماضي لغاية اليوم، باتت تكلف العراق كثيراً وتستنزف جزء كبير من الاموال المخصصة للإعمار أو للإستجابة الإنسانية، بالاضافة إلى التقليل من هيبة العراق وإستقلاليته.
مكتب التنسيق الانساني التابع للامم المتحدة OCHA يعمل على إدارة الاموال المقدمة للعراق ضمن خطط الاستجابة الانسانية الطارئة، وذلك من خلال مجموعة من (كليسترات) تضم منظمات أممية ودولية ومحلية كل حسب إختصاصه، منها التعليمي والصحي والأمن الغذائي والايوائي والحماية واللوجستي وغيرها، تعمل هذه الكليسترات على التخطيط والمراقبة والتقييم للمشاريع والمساهمة في إحالة المشاريع للمنظمات وذلك عن طريق لجان المراجعة الستراتيجية SRT.
يعمل المكتب من خلال مجموعة من الانظمة والبرامج المتبعة التي تحدد طريق تدفق الاموال وإحالتها الى المنظمات ذات القدرات المؤسساتية الكبيرة لإدارة المشاريع،ما يميز هذه العملية أن حصة كبيرة من الاموال تذهب للمنظمات الدولية والاممية، في حين لاتحصل المنظمات المحلية إلا على نسبة قليلة جداً.
المعيب في هذه الآلية إنها تستنزف نسبة من الاموال المخصصة للنازحين ككلفة تشغيلية، مما يجعل المنظمات تتنافس للقدوم الى العراق للحصول على المشاريع للإستفادة من الاموال المخصصة لموظفيها الذين يتقاضون رواتب كبيرة والتي تستقطع من الاموال المخصصة للمشاريع الانسانية بالاضافة الى تكاليف الامور اللوجستية.
المانحون الدوليون يراقبون حركة الاموال والمشاريع من خلال منظومة الActivity INfO. معلومات النشاطات، التي تم اطلاقهاعام 2015،عن طريق كل من اليونسييفUNICEF والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين UNHCR ومكتب التنسيق الانساني OCHA، من خلال هذه المنظومة تقوم المنظمات المنفذة للمشاريع بإدخال بياناتها ومعلوماتها وتقاريرها عن المشاريع المنفذة،لكي يطلع عليها المانح الدولي، وعلى ضوئها تحدد فرص المنظمات في الفوز في المشاريع، وخصوصاً فيما يتعلق بخطة الاستجابة الانسانية HRP وصندوق العراق الانساني IHF.
بعد انتهاء مرحلة الطوارىء التي عملت عليها الامم المتحدة في العراق منذ عام 2013 لغاية انتهاء عمليات التحرير عام 2017، جاءت مرحلة التعافي وإعادة الإستقرار RECOVERY &RESTABLIZATION، هذه المرحلة تعهد لها المانحون الدوليون في مؤتمر الكويت عام 2018 بمبالغ وصلت الى حد 30 مليار دولار على شكل قروض ومنح، كان من الممكن أن تقوم الحكومة العراقية بإدارة تلك الاموال لوكانت تتمتع مؤسساتها بالشفافية والعدالة، كما هو الحال في العديد من الدول التي تدار فيها هذه الاموال من خلال وزارة تسمى بوزارة (التعاون الدولي) مثال ذلك تونس والامارات وغيرهما.
استغلت الامم المتحدة هذا الوضع وضغطت لانشاء صندوق إئتماني تتمكن من خلاله إدارة الاموال المتدفقة المخصصة لمرحلة التعافي وإعادة الإستقرار في المحافظات المحررة، وحققت ما تريد وقيدت دور الحكومة الإتحادية والحكومات المحلية، واقتصردورهم على توقيع مذكرة تفاهم ومن ثم النظر من بعيد على المنظمات الاممية والدولية وهي تُحيل المشاريع للشركات والمنظمات التي تجدها مناسبة لذلك.
يعتبر الكثير من المختصين وربما العاملين مع الامم المتحدة أن حلقة مكتب التنسيق الانساني والكليسترات، التي تعمل على إدارة الاموال المتدفقة من الدول المانحة الخاصة بمرحلة التعافي وإعادة الاستقرار،حلقة زائدة ومكلفة وربما تشكل نوعاً من انواع المذلة والإهانة للعراق، السؤال المطروح،الى متى يبقى هذا الوضع ؟ بالتأكيد هذا السؤال موجه للحكومة العراقية اولاً والمجتمع الدولي ثانياً.
الحلول مرهونة بخروج العراق فعلياً من البند السابع وإنتهاء عمل بعثة الامم المتحدة في العراق بشقيها الانساني والسياسي، البعثة التي تراقب العراق وترسل التقارير الدورية الى مجلس الامن، كل هذه الامورتعد سبباً رئيسياً لبقاء مثل هذه الصناديق التي تدير حركة الاموال المتدفقة للعراق. الحكومة العراقية ملزمة بضرورة انهاء عمل الصناديق والبعثات، وهذا لا يتم إلا من خلال بناء دولة المؤسسات القادرة على ادارة شؤونها.