صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

إعلام دولة رئيس الببغاء!

يتساءل الناقد السعودي الدكتور عبدالله الغذامي عما إذا كانت مفردة “سعادة” التي تسبق الأسماء تعني تمني له السعادة! كمعادل لمفردة “معالي” المقتبسة من العلو وفضيلة وسماحة وسمو… بيد أنني أجد أكثر من تساؤل الغذامي وأنا أعود لمفردة “دولة” رئيس الوزراء المستخدمة حصرا في أدبيات السياسة اللبنانية، وطرأت على الثقافة الإعلامية في العراق بعد عام 2003 كنتاج مبتذل لخيال رخيص أو ما يمكن أن نسميه “إعلام الببغاء.”

لا يوجد في التاريخ العراقي استخدام لهذه المفردة مطلقا، وسيعبّر نوري السعيد ومحمد فاضل الجمالي وعبدالرحمن البزاز وسعدون حمادي عن سخرية ممتزجة بالازدراء لمجرد سماع هذه الكلمة تسبق أسماءهم، فكيف تم إدخالها إلى القاموس السياسي والإعلامي العراقي؟

كان أحد الإعلاميين العراقيين الذين استقدمهم الحاكم المدني الأميركي بول بريمر بعد احتلال العراق عام 2003، ومنحه رئاسة المفوضية العليا للانتخابات، يضع عادة كلمة “دولة” فلان في تصريحاته الكثيرة لوسائل الإعلام متأثرا بسنوات عمله الطويلة في لبنان، من دون أي تخويل لاستخدام التسمية، فتلقفها إعلام الببغاء في العراق وصار يتداولها وكأنها موجودة فعلا في القاموس السياسي والصحافي العراقي، بل صارت مفردة مغرية بدلالتها المفخمة لمن يجهل الدرس الأول في معايير صناعة الأخبار، وما أكثرهم لسوء حظ الصحافة في العراق. فإذا استأجرت مهرجين، عليك أن تتوقع سيركا!

تحولت كلمة “دولة” أشبه بلازمة تسبق رؤساء الحكومات، وأصبحت مبتذلة حد الخواء على ألسنة محاورين في محطات تلفزيونية عراقية، خصوصا عندما تُكسر عربيتها وتتحول إلى لهجة دارجة بطريقة نَسبها إلى الضيف “دولتك!”

لنتخيّل ماهي مواصفات دولة إبراهيم الجعفري وهو يحتفي بغروره الفارغ، وعن أي دولة نتحدث مع نوري المالكي أكثر السياسيين الطائفيين الذين قضوا حياتهم في أن يكونوا جامعي وصفات تدمير العراق وحيدر العبادي الذي بقي يدور على طائفته وعادل عبدالمهدي الذي كان بمثابة موظف إيراني مخلص في المنطقة الخضراء ثم مصطفى الكاظمي الذي عاش في ظل الميليشيات. حتى وصلنا إلى محمد شياع السوداني الذي حوّل الدولة إلى مجرد عروض إعلامية تسوّق بضاعة سياسية فاسدة ومنتهية الصلاحية.

الأسوأ من رؤساء الحكومات هو سقوط الخطاب التلفزيوني في وهم استخدام هذه المفردة عندما تسبق وظيفة رئيس الوزراء في العراق، من دون أن يكون لها أي جذر لغوي أو نص قانوني، ولا أحد من الذين يستخدمون هذه الكلمة الطارئة على الأدبيات العراقية بثقة بلهاء، سأل نفسه ما دلالتها السياسية والإعلامية، بل مَن فيهم -من الصحافيين- يمتلك تخويلا معياريا في استخدام هذه الكلمة؟

بوسعي القول لا أحد، غير إعلام الببغاء وهو يقدم تعريفات مختلفة بشكل سطحي غير مسبوق، الأمر الذي يجعل الجمهور مشوشا بشأن حقيقة تعريف الآخرين.

ذلك يعني أن واقعا كاذبا صار سائدا ويستمر في بناء هيكله في الإعلام العراقي ويقدم نفسه بصلافة، بعد أن ترك الحقيقة خلفه غير مبال.

لكن كم نتحمل نحن الصحافيين من مسؤولية شيوع هذا الابتذال؟ هناك الكثير جدا من الأسباب التي تجعلنا نعترف بتحمل المسؤولية عندما نتهاون بإطلاق تعريف مفخخ يكاد ينفجر بوجه المشاهد على أشخاص يعبرون عن عجزهم المعرفي في التوصل إلى خلاصات من المزيج المتناقض في الأحداث.

سبق وأن كتبت في هذه المساحة: عندما كان التلفزيون أداة للحكم في العراق كان محليا بطريقة التحذير والتخويف، أما حين أصبح فضائيا فقد أصبح أداة للثرثرة وسباقا للإمساك بالهراء وإذلال اللغة.

فمثلما يتلاعب الاقتصاديون الأشرار بمؤشرات الخوف في البورصة وسوق السندات من أجل أن تمتلئ خزائنهم بأموال الخائفين صار على منظري الإعلام ابتكار مؤشر معادل للخوف يمكن أن يسموه مؤشر الهراء! وهو يستهدف مشاهدي التلفزيونات العراقية لأن مهمة هذه التلفزيونات تحولت إلى مجرد ببغاء أبله لخطاب سياسيين فاشلين ولصوص دولة.

أقرأ أيضا