صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

احتجاجات العراقيين والصراع الإقليمي

يحاول البعض (وهم من مشارب مختلفة) ان يخلط الأوراق بشأن الأزمة السياسية العميقة في العراق، ليظهر ما يجري على أنه أزمة بين ايران والولايات المتحدة فقط، فيغيب “المسألة العراقية” في كل ذلك، محاولا إبعاد الفشل والافلاس السياسي للجماعات الحاكمة منذ 2003، وإخفاء أزمة نظام ونمط حكم شارف على نهاياته بفعل الرفض الجماهيري الواسع له.

هذا لا ينفي بطبيعة الحال، أن الصراع الايراني- الامريكي فاقم من حدة الازمة الاقلمية وانعكاساتها الشديدة على المشهد العراقي، بمعنى آخر أن الحاجة الداخلية للتغير هي التي خلقت شيئا من التدافع الاقليمي والدولي حول العراق، وان مطلب “نريد وطن” ساهم في طرح الاولويات، وأصبح العراقيون الطرف المؤثر في رسم مستقبلهم، بدءا من المطالبة بتغيير حكومتهم باتجاه وطني، وانتهاءً باصلاحات عميقة لا تستثني أي مجال من حياتهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

علينا أيضا إدراك أن الجانب الأمريكي لم يكن طوال الشهرين الأولين من الحركة الاحتجاجية العراقية مساندا وداعما لها، بل على العكس، فقد كان داعما لحكومة عادل عبد المهدي رغم الرفض الشعبي الواسع لها. ذات الشيء كان موقف دول منطقة الخليج بكل إماراتها ودولها، فالجميع عاجز عن أن يرينا تضامنا، حتى لو كان خجولا، من هذه الامارة أو تلك مع المتظاهرين العراقيين وضحاياهم.

إن الأزمة الاقليمية الحالية، وخلط الأوراق غربيا عبر تقديم مواجهة ايران- الولايات المتحدة أولا في العراق قد تنال عمدا من شرعية الحركة المطلبية الديمقراطية العراقية، فشعار “نريد وطن” مربك اقليميا ودوليا، إذ لم يكتفِ العراقيون بالمطالبة بوطن أقل فسادا وأكثر تسامحا وعدلا، بل وأكثر عزة وكرامة على مستوى المنطقة والعالم.

لا أحد منا يفرح للصورة المخزية التي تعطيها الحكومة الحالية عن العراق، ولا هرولة العديد من الفصائل والتصاقها المفضوح بالمؤسسات القمعية في إيران، وبالتالي فالمتظاهرون الشباب ربطوا بين حقوقهم الاجتماعية والسياسية بقيم الوطن واستقلاله.

 

باختصار إن فساد وفشل وانهيار الوضع الداخلي العراقي هو الذي فاقم من الأزمة إقليميا، ووضع المنطقة على شفى حرب، فوجود دولة عراقية معافاة، متصالحة مع شعبها هي ضمانة للسلم في المنطقة والعالم، لذلك بات الإسراع بتشكيل حكومة حقيقية وطنية، معبرة عن مصالح العراقيين ومستقبلهم أمرا ضروريا وملحاً.

أقرأ أيضا