صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

احذروا قرارا قضائيا يمنع النواب من ممارسة دورهم

من أخطر ما سمعت أثناء البث المباشر لوقائع جلسة المحكمة الاتحادية الخاصة بدمج الدعويين المقامتين ضد رئاسة البرلمان، بخصوص مدى دستورية قرار إعادة فتح باب الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، هو ما ورد في سؤال تم توجيهه لوكيل البرلمان، بخصوص مقاطعة النواب لجلسات البرلمان وكسرهم للنصاب، والإجراءات المتخذة بحقهم.

إن خطورة الأمر تظهر أكثر فأكثر بعد مرور أيام على عقد تلك الجلسة، دون أن ينتبه اليه أحد، إذ جاء السؤال عاديا في سياق الحديث عن أسباب عدم اكتمال النصاب، وإتمام عملية انتخاب رئيس الجمهورية ضمن المدة الدستورية، وهو ما اتخذه وكيل البرلمان كنقطة ساعدت المحكمة في اتخاذ قرار تأجيل البت في الدعوة، لجلسة الأول من آذار مارس المقبل، حين طلب مهلة للحصول على جواب لذلك.

إحدى السيناريوهات الأكثر قربا للتحقق، هو إذا لم يحصل اختراق أو اتفاق حول مرشح لمنصب الرئيس، وكذلك في حال عدم حصول اتفاق بين التحالف الثلاثي وخصوصا التيار الصدري مع قوى الاطار التنسيقي. ويتمثل هذا السيناريو في أن تقوم المحكمة بقبول الدعوى المُقامة، والحكم بعدم دستورية إعادة فتح باب الترشح لمنصب رئيس الجمهورية. وإن تحقق هذا السيناريو، فقد تلجأ المحكمة الى تضمين قرارها الخاص بالدعوة، إجراءات بخصوص النواب الذين يقاطعون جلسات البرلمان، وبذلك تفرض إجراءات عقابية تُجبِر النواب على حضور الجلسات رغما عن ارادتهم، وقناعاتهم وبرامجهم السياسية والانتخابية التي وعدوا بها جمهورهم.

إن أخطر ما في مثل هذا الأمر هو تعارضه مع أبسط مبادئ الديمقراطية، واتخاذ الموقف الذي يراه النائب مناسبا لتعطيل قرارات وقوانين يراها متعارضة مع إيمانه ومصالح الشعب والبلد، إن مقاطعة جلسة برلمانية من قبل نائب، أو كتلة، أو نواب وكتل متعددة، يكون بسببا لموقف سياسي، بينما غياب النائب عن الحضور الى البرلمان لأسباب قد يمتلك لها أعذارا وحينها يفترض به الحصول على إجازة رسمية ولن يحتسب عدم الحضور غيابا، أو من دون عذر ولعدة أسباب، لا تتجاوز في أحسن الأحوال دوافع وأسباب شخصية، وعندها هناك إجراءات مقرة تتخذها رئاسة المجلس بحق النائب المتغيب، وهذا الأمر سيكون ساريا منذ الدورة الأولى.

إن تحقق هذا السيناريو الذي أتمنى أن لا يحصل، فإن المحكمة الاتحادية الموقرة ستقضي بذلك على أحد أهم وسائل النواب والكتل في الدفاع عن قناعاتهم وبرامجهم الانتخابية، إن اشتراط تحقق نصاب معين لجلسة ما، ليس فقط لإعطائها الصبغة أو الغطاء القانوني، بل إن كل نصاب يحمل في طياته أسبابا ودوافع تشريعية وسياسية ضرورية لمنع طغيان أقلية ما، على كل الإرادة النيابية في البلد. على سبيل المثال، فإن اشتراط نصاب الثلثين لجلسات انتخاب رئيس الجمهورية وتشريع والتصويت على قوانين مفصلية كقانون المحكمة الاتحادية وقانون مجلس الاتحاد، ليس من أجل تعطيل، أو تعقيد تمريرها، بل هي في الأساس لتحقيق أكبر قدر من الشراكة الوطنية، وذلك عن طريق منع نصاب أقل تمثيلا، كما هو الحال في الجلسات الاعتيادية للمجلس الموقر.

من هنا يجب أن نحذر جميعا، وأن تأخذ المحكمة الاتحادية العليا كل تلك الأمور الأساسية وحق النواب والكتل في ممارسة عملهم النيابي بكل ديمقراطية ودون الخوف من عقوبات تطال أداء دورهم المطلوب. إن صدور أي قرار بهذا الخصوص ستكون له نتائج خطيرة على العمل النيابي، وسينعكس بشكل كارثي على مجمل العملية السياسية، وكذلك على صورة المحكمة الاتحادية الموقرة، التي بدأت الانتقادات تطالها بصورة متزايدة.

سردار عبد الله: نائب سابق ومرشح لرئاسة الجمهورية في 2018

أقرأ أيضا