بعيداً عن جميع المحاولات والمواقف الرافضة والمؤيدة للإستفتاء على استقلال كوردستان في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، فإن القراءة التي يجب الالتفات إليها هي أن تحالف المظلومية الذي جمع الكورد والشيعة في عراق ما بعد ٢٠٠٣ قد أنتهى، وأثبت فشله في بناء مجتمع سياسي قادر على تشكيل دولة ديمقراطية فدرالية كما نص على ذلك دستور العراق النافذ لعام ٢٠٠٥.
تحالف المظلومية الذي جمع الكورد والشيعة أنتج نظام سياسي هجين، إذ لا هو نظام اتحادي/فدرالي، ولا هو نظام مركزي، ولا حتى لا مركزي. هذا النظام الهجين، الذي جاء نتيجة العقل السياسي الكوردي الذي يفكر بمنطق التغالب في بقائه ضمن حدود العراق الجديد، شكل فرصة حقيقة لبناء القدرات الذاتية لمناطق الإقليم، والتشويش على الرأي العام الكوردي بتصدير إزماته الداخلية تجاه مشاكل العلاقة مع حكومة المركز.
ويمكن القول إن اتفاق أربيل، واجتماعات سحب الثقة من رئيس الوزراء نوري المالكي في ٢٠١٢. وسحب الثقة عن السيد هوشيار زيباري وزير المالية السابق، كانت نهاية تحالف الشيعي-الكوردي. دلالات ما تقدم، تكمن في توقيت الاستفتاء، وإصرار السيد مسعود بارزاني على إجرائه في موعده. فالبارزاني أصبح مدركاً أن تحالفه مع الشيعة يواجه تهديدياً حقيقاً هذه المرة، إذ ليس الموضوع مرتبط بعنتريات وخطابات نوري المالكي التي كانت تثير الأزمات إعلامياً، وفي الجانب الآخر توفر تبريراً لسياسات السيد مسعود بارزاني في إقصاء خصومه داخل الإقليم. وإنما سيناريوهات إعادة تشكيل الخارطة السياسية الشيعية في الإنتخابات القادمة هي التهديد الحقيقي للتحالف الشيعي-الكوردي. فالقيادات الشيعية التي كانت نافذة في أيام المعارضة وبعد ٢٠٠٣ مصيرها مهدد في الانتخابات القادمة، فضلاً عن أن الموت غيب زعامات كانت تؤمن بضرورة التحالف مع الكورد للبقاء بالسلطة من جهة، ولعدم ثقتهم بالقيادات السنية من جهة أخرى. إذ لم يعد السيد عبد العزيز الحكيم، ولا الدكتور احمد الچلبي، موجودين بالساحة السياسية، ولا تشير القراءات إلى بقاء قيادات سياسية شيعية بنفس التأثير والنفوذ السابق، ولعل الانشقاق بالمجلس الإسلامي الأعلى خير شاهد على ذلك.
الخطاب السياسي للقوى السياسية الشيعية، والتي من يحتمل أن يكون لها حضور في الإنتخابات القادمة، لا يرى في الكورد حليفاً استراتيجياً. وطوال فترة الحرب ضد داعش، كان خطاب الإتهام بتأمر أربيل لاسقاط الموصل واضحاً في خطابات قيادات المليشيات الشيعية. وحتى موقفهم من الإستفتاء كانت أكثر صراحة بالتلويح باستخدام القوة العسكرية، فالشيخ قيس الخزعلي الأمين العام لعصائب أهل الحق في خطبة صلاة عيد الأضحى أكد على تعاملهم مع التواجد الكوردي في المناطق المتنازع عليها، في حال استقلال كردستان، تعامل مع تواجد قوات محتلة لأرض عراقية.
يبرر الكورد في أربيل إصرارهم على إجراء الإستفتاء بعدم التزام حكومة بغداد بالاتفاق معهم، ويعدونها غير ملتزمة بالدستور، ويبدو أنهم يتجاهلون نقطة جوهرية، وهي إن العلاقة بين حكومة أربيل والحكومة الاتحادية في بغداد من جانب، ومع بعض القيادات السياسية من جانب آخر، كانت هي المعول الذي يهدم مبدأ علوية الدستور.
وأخيراً، التحالف الذي قام على أساس المظلومية الشيعية-الكوردية بات يفتقد للأرضية التي يقف عليها، فالشيعة لم يعد مظلومين من قبل السلطة، بل باتوا هم أصحاب السلطة الحقيقيين. والكورد بتعاملهم مع الشيعة وفق منطق التغالب جعلهم متحالفين مع أحزاب سياسية شيعية فشلت في إدارة الحكم وفسادها بات يملئ البلاد. ومن ثم فقد الكورد ثقة جماهير الشيعة ووباتوا يتهمونهم بنهب ثروات البلاد ويرونهم دولة مستقلة وليس شريكاً في الوطن، ولذلك نجد جيلاً كاملاً في الجنوب لا يعنيه بقاء كردستان ضمن حدود العراق من عدمه، فضلاً عن جيل سابق لا يحتفظ من ذكريات عن الكورد إلا ذكريات “حرب برزان” أو “حروب العصاة” كما يسمونها.
إياد العنبر – استاذ العلوم السياسية بجامعة الكوفة