صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

الأقاليم ونهاية الدولة العراقية

سأستعير مقولة هوسرل بأن “أي وعي هو وعي بشيء ما”، ولذلك فإن الاعتراض على تكوين الاقاليم في ظل الوضع الحالي أو في ظل دستور 2005 ينطلق من المدركات الاتية:

1. من حيث المبدأ وكما أشرت مرارا، أن النظام الفدرالي هو احد اشكال انظمة الحكم ويطبق في (28) دولة وبالتالي كنظام لا غبار عليه، لكن الاعتراض على الفيدرالية المتضمنه بالدستور العراقي (2005) وطرحه لانموذج مشوه لا علاقة له بجميع الانظمة الفيدرالية في العالم.

2. يحفظ النظام الفيدرالي عادة التوازن مابين السلطات الاتحادية وسلطات الوحدات الفيدرالية، وهذا التوازن مفقود في دستور 2005.

3.يقسم دستور (2005) السلطات على ثلاثة انواع (سلطات حصرية للاتحاد المواد “109, 110″، وبعض النصوص في المواد ( 112, 113)، والثانية صلاحيات مشتركة (114, وبعض النصوص في المواد “112، 1 13” وكل ما لم ينص عليه يبقى ضمن صلاحيات الاقاليم م 115).

4.على الرغم من هذا التقسيم، فأن نص المادة “115” افرغ اي محتوى فعلي للصلاحيات المشتركة، حين نصت المادة على الاتي : والصلاحيات الأخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والأقاليم، تكون الأولوية فيها لقانون الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، في حالة الخلاف بينهما. وهو ما يعني في التحليل الاخير أنها من حيث الواقع تكون ضمن صلاحيات الاقاليم وليس صلاحيات مشتركة لانها في ستكون خاضعة لارادة الاقاليم، وهي تتضمن ادارة الكمارك، تنظيم مصادر الطاقة الكهربائية وتوزيعها،رسم سياسة الموارد المائية الداخلية وتنظيمها، اضافة للتعليم والتربية.

5. هذا يعني أن كل اقليم له الاحقية في التصرف بالسياسة المائية واصدار قانونين خاصة بها او حول توزيع الكهرباء او الكمارك أو فرض نمط من التعليم او التربية بعيدا عن السياسة العامة للدولة طالما ان الدستور يبيح لها ذلك.

6. لنتصور كم من الفوضى التي ستحدث لو انشئ على سبيل المثال سبعة او عشرة او خمسة عشر اقليم وكل واحد منها يتصرف حسب هواه بما يلائم مصالحه الخاصة من دون حساب مصالح الدولة أو الاقاليم الاخرى، وحجم الانهاك الذي سيصرف ربما يوميا للتوفيق بين هذه الاقاليم في هذه المجالات.

7. لنأخذ على سبيل المثال الدستور الامريكي الذي ينص على “أن هذا الدستور، وقوانين الولايات المتحدة التي تصدر تبعاً له، وجميع المعاهدات المعقودة أو التي تعقد تحت سلطة الولايات المتحدة، تكون القانون الأعلى للبلاد. ويكون القضاة في جميع الولايات ملزمين به، ولا يعتد بأي نص في دستور أو قوانين أية ولاية يكون مخالفاً لذلك” المادة السادسة (2).

وهذا ما كان ينبغي للدستور العراقي أن يأخذ به اعلاء لهيبة ومكانة الدولة لا أن تقوض سلطات الدولة على نحو يجعلها مركزا للضعف ويمنعها من التصرف بفاعلية لحفظ وحدة وقوة الدولة امام الاقاليم، بل يذهب الدستور الى العكس تماما.

والانكى من ذلك أن المادة”121″ثانيا نصت على انه “يحق لسلطة الإقليم، تعديل تطبيق القانون الاتحادي في الإقليم، في حالة وجود تناقض أو تعارض بين القانون الاتحادي وقانون الإقليم، بخصوص مسألةٍ لا تدخل في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية. فيما نصت م ” 126″ رابعا على انه “لا يجوز إجراء أي تعديل على مواد الدستور، من شأنه أن ينتقص من صلاحيات الأقاليم التي لا تكون داخلةً ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، إلا بموافقة السلطة التشريعية في الإقليم المعني، وموافقة أغلبية سكانه باستفتاءٍ عام”.

8. يمهد كسر التوازن لصالح الاقاليم الفرصة لها بالتمادي على حساب السلطة الاتحادية بما يجعلها تتصرف دولة داخل دولة، بل والذهاب الى ابعد نحو الانفصال لاسيما اذا ما توافرت عوامل داخلية وخارجية تدفع تجاه هذا الخيار من دون وجود رادع داخلي يمنع هذا التفكك او أن يلجمه.

9.بالرغم من إن المادة “111” نصت على ان النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات، الا انها في مادة أخرى م”112″ أولاً: تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة، وهذا يعني أن اي حقول جديدة ستكون تحت ادارة وتصرف الاقاليم بما يخلق تنازعا له اول وليس له آخر كما يحدث الان مع اقليم كردستان حول انتاج وتصدير النفط، وكم سيزداد هذا الصراع مستقبلا مع تعدد الافاليم الى حد انهاك الدولة وضياع مبدأ أن النفط والغاز هو ملك الشعب العراقي.

10. تنص المادة (121) أولا: لسلطات الأقاليم الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وفقا لأحكام هذا الدستور، باستثناء ما ورد فيه من اختصاصات حصرية للسلطات الاتحادية.

وبالنظر لقابلية نصوص الدستور على التأويل المفرط، سنري من الاجراءات والقرارات الادارية و التشريعية ما لابمكن تصوره بكا يفضي الى التنازع الحاد والذي يتم الى تعطيل اي فاعلية حقيقية للاداء المحلي او الوطني.

11. ستنشأ حالات تنازع على الحدود والموارد المشتركة بين الاقاليم حتى في مجالات لا يمكن النظر اليها الان او توقعها .

13. في ظل حالة الانعزال وتصاعد الجهوية الاقليمية سنشهد حالات تطهير لافراغ الاقاليم من التنوعات بحجة عدم انتمائها لاقاليم وهذه سوف تظهر وتختفي ويتم استدعائها تبعا للمتغيرات .

14. هذه الانماط التي يولدها الدستور تساعد على مزيد من الانعزال عن المركز وعن الاقاليم الاخرى، وهو ما يؤدي الى نشوء هويات جديدة قائمة على فكرة الاقاليم تمهيدا لقيام الانفصال لان بعضها سيرى ان انفصاله سيحقق له مكاسب اكبر ومركز دولي وقانوني افضل ومكانة اعلى وسلطة متنامية.

15. ايضا لا ننسى هناك عامل متعلق بثقافة احتكار السلطة، فالاقاليم سوف تتيح المجال امام سيادة هذه الثقافة مع عدم وجود كوابح دستورية او قانونية بما يقود نحو الاستبداد المحلي الداخلي والى الانفراط عن عقد الدولة.

 16. لن تعمل الاقاليم عمل العصا السخرية بل العكس ستزيد الامر سوء، وستعمل محركات الصراع العشائري والديني دورها الكبير الى فترة طويلة لحين الاستقرار وهي مغامرة غير مضمونة النتائج .

17. كل الدعوات المطالبة للاقاليم لا تنبع من رؤية قائمة على دراسة جدوى بل وفقا لعواطف او ردود افعال او لتنفيس عن حالة غضب او لتصورات ذهنية مبنية على احكام فكرية مسبقة .

18. كل هذه الاسباب ومتغيرات اخرى تدفعني الى القول ان تطبيق الاقاليم في هذا التوقيت وفي ظل صراع محتدم داخلي واقليمي ودولي مع غيابات التأمل الفكري وتبعا للنصوص الدستورية فأن تطبيق الاقاليم سيفضي في نهاية الامر الى القضاء على الدولة العراقية وانشاء دويلات صغيرة متنازعة يكون الاستقرار والتنمية فيها حلما.

أقرأ أيضا