صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

الإرهاب العائلي.. صندوق العراق الأسود

أقدمت ملاك الزبيدي (20 سنة) على حرق نفسها جراء عنف أسري متواصل من زوجها وعائلته بحسب الروايات المنقولة عن الحدث في مدينة النجف جنوبي العراق، ونالت الحروق من 50 في المئة من جسمها الذي عانى من التسمم إثر الحروق، مما أدى الى وفاتها. وبحسب منصات الإعلام العراقية “هزّت قصة ملاك، العراق بعد أن انتشرت مقاطع فيديو لها على شبكات التواصل الاجتماعي تكشف عما حصل لها”. وأصدرت محكمة عراقية، قرارا بتوقيف عدة أشخاص متهمين بالقضية من بينهم زوج ملاك وأفراد من عائلته.

وصفت والدة الضحية ما جرى لابنتها بـ”الإرهاب العائلي” في ظل العنف المتفشي ضد المرأة داخل الأسرة العراقية، انما، وبعد ساعات من حصولها، تحولت المأساة الى قضية عشائرية حيث تعرض بيت الزوج وعائلته الى الهجوم (الدكّة العشائرية) من قبل عشيرة الضحية. ومن شأن أي اتفاق عشائري، في حال اتمامه حول القضية، ان تضيع خطوط قصة “الانتحار” ومعطياتها والسكوت بالتالي عن إرهاب عائلي تعيشه المرأة العراقية في صمت مطلق.

وتلجأ الأُسر العراقية في الغالب أثناء تزويج بناتها الى اتفاقيات مع أُسر الأزواج بغية ضمان بعض الحقوق للزوجة، وذلك بسبب عدم وجود قانون عراقي يحمي المرأة من العنف العائلي والاجتماعي حيث تتم معالجة غالبية القضايا المتعلقة باستيلاب حقوقها تحت عناوين مختلفة مثل غسل الشرف والموت المفاجئ والأحداث المؤسفة، وذلك للإفلات من العقوبات.

ولا يزال قانون مناهضة العنف الأُسري الذي أقرّه وأرسله رئيس جمهورية العراق برهم صالح الى مجلس النواب العالم الماضي/٢٠١٩ في انتظار إقرار البرلمان العراقي. وبحسب مكتب الأمم المتحدة في العراق “من شأن إقرار قانون مناهضة العنف الأسري ضمان محاسبة مرتكبي جرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي في العراق، بما فيهم مسببي الأحداث البشعة مثل تلك التي شهدناها مؤخرا”. وقالت الأمم المتحدة بهذا الشأن “حان وقت تنفيذ قانون مناهضة العنف الأُسري”.

ويعد ملف “الإرهاب العائلي” في العراق، من الملفات المخفية في أدراج النخب الحاكمة. انه الصندوق الأسود ولم تم فكّ شفراته والأسرار المخيفة التي يتضمنها، لحل العراق موقع انحطاط “عظيم” فيما خص واقع المرأة المرير والحط من مكانتها في المجتمع، وبخاصة في المجتمعات المحلية المغلقة الخاضعة للتقاليد العشائرية. وقد كرّس الدستور العراقي الدائم (2005) السطوة العشائرية على المجتمع في المادة (45) بالقول: “تحرص الدولة على النهوض بالقبائل والعشائر العراقية، وتهتم بشؤونها بما ينسجم مع الدين والقانون، وتعزز قيمها الإنسانية النبيلة، بما يساهم في تطوير المجتمع، وتمنع الأعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الإنسان.” تالياً، هناك بالإضافة الى عنف الأُسرة والمجتمع بحق المرأة، عنف الدول المنظم أيضاً، الأمر الذي يدفع بالمرأة المُعَنَّفة اللوذ بالصمت حين تتعرض الى العنف الجسدي والنفسي، والقانوني ضمناً.

روت لي ناشطة من محافظة واسط جنوب شرق العراق، كيف كانت تتعرض للضرب اليومي من قبل زوجها، ناهيك بسجنها في المنزل دون ان تتمكن من الهروب أو اللجوء الى القضاء، ذاك ان زوجها كان فرداً من أفراد ميليشيا مسلحة لا تحسب حساباً للقانون. ولأن القوانين المدنية العراقية لا تنصف المرأة برأيها ولا تقف الى جانبها فاختارت الصمت. كان ذلك عام 2006 وفقدت المجموعة المسلحة التي كان ينتمي لها زوجها سطوتها في السنوات اللاحقة، الأمر الذي ساعدها على الانفصال والحصول على العمل في مؤسسة إعلامية، لكنها وقعت في دائرة نوع آخر من العنف اذ وضعها رئيس المؤسسة بين خيار القبول بصداقة الفراش أو ترك العمل. تركت بغداد وعادت الى منطقتها لتعيش مع الذاكرة المُرّة.

تروي شابة من مدينة الموصل كيف تم ارغامها على الزواج وهي لا زالت فتاة صغيرة، لا تعرف شيئاً عن الحياة الزوجية وحتى العلاقة الجنسية. لقد تعرضت (ش. ع) للنزيف في ليلة الزواج وأغمي عليها، وتشير الى انها لم تشعر بشيء سوى سكينة حادة في أحشائها. هي أيضاً، لاذت بالصمت الى ان هربت مع عائلتها الى المخيمات في إقليم كُردستان بعد احتلال داعش لغالبية المناطقة التابعة لمحافظة نينوى عام 2014. وفي المخيمات ساعدتها رغبة العمل كمتطوعة ان تستعيد ما سرق من طفولتها من خلال العمل اليومي بين أطفال النازحين.

لا تشكل هذه الحالات سوى قدر صغير من حكايات الإرهاب العائلي والاجتماعي بحق النساء العراقيات، فهن يشكلن الصندوق الأسود للمجتمع العراقي ولا أحد يريد فكّ شفراته، ذاك انه يفضح الدولة قبل المجتمع.

أقرأ أيضا