ونحن ندخل العام الثامن من إبادة واحدة من أعرق المكونات العراقية، تتأرجح القضية الإيزيدية بين أقطاب السياسة الداخلية العراقية بين إهمال وحذر وتوظيف، وفي ظل مخاوف سياسية من حصول اعتراف جماعي دولي تكون نهايته محاسبة من تسبب بالابادة وساهم بتنفيذها بطريقة أو بأخرى من سياسيي الصف الأول.
أكثر من 10 آلاف ضحية راحوا ضحية الابادة بين الخطف والقتل أو ضحايا مقابر جماعية، فيما لازال منهم الآلاف مفقودين، وأكثر من 2700 امرأة وفتاة ايزيدية إضافة الى عشرات الأطفال الذين يتأرجحون في رحاب اسواق النخاسة بين العراق وسوريا وحتى تركيا بحسب إحصائيات رسمية محلية ودولية.
وعلى الرغم من وجود مقابر جماعية مغلقة بسبب توقف مشاريع الدولة العراقية التي تمر بمرحلة تقشف، شهد العام الجاري مراسم رسمية في العاصمة العراقية بغداد لتشييع الوجبة الأولى من ضحايا الإبادة في قرية كوجو التي تعتبر صورة مصغرة عن معاناة الإيزيديين في العراق، حيث كان هذا أول تكريم رسمي للضحايا من قبل الدولة.
لكن هل يهدئ ذلك من أوجاعهم والامهم التي قاسوها؟
قد تكون السنة السابعة من الجرح الايزيدي مليئة بالأحداث، أهمها استمرار سلسلة الاعترافات الدولية بما جرى للإيزيديين من جرائم إبادة جماعية ويرافق ذلك اتفاق محلي بغطاء دولي لترتيب أوراق البيت السنجاري من خلال اتفاقية بين بغداد واربيل، شهدت انقساما حول دلالتها وأهميتها للايزيديين وتهميشا لهم وهذه كانت نقطة سلبية جعلت الخلافات تتفاقم.
“بابا شيخ” جديد في السنة السابعة من الإبادة الايزيدية جعل الساحة الايزيدية المدنية والسياسية مقسمة أكثر ولم يغب التأثير السياسي عن من تم اختياره، فمعبد لالش بات مسرحا سياسيا وتخلى عن ثوبه الديني مجبرا.
وفي يوم المرأة العالمي من هذا العام (8 اذار مارس الماضي)، تم تكريم المرأة الايزيدية وبالأخص الناجيات الايزيديات ومعهن الناجيات من المكونات الاخرى بقانون سمي بقانون الناجيات الايزيديات، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ دولة عربية وإسلامية تضم أقليات دينية غير مسلمة، ولكن تنفيذ القانون ما يزال متلكئا مع الاكتفاء بتعيين مديرة عامة من الإيزيديين لهذه المديرية دون تحرك لتنفيذه على أرض الواقع.
رافق إنجاز هذا القانون اعتراف عراقي رسمي ضمن فقرات القانون بالإبادة الايزيدية والمكونات الأخرى (المادة 7 من القانون) واعتبار يوم الثالث من آب أغسطس يوما عراقيا وطنيا للتعريف بما جرى للإيزيديين والمكونات الأخرى من جرائم من قبل تنظيم داعش الإرهابي، وتم إلزام الحكومة العراقية الاتحادية بالقيام بالعمل على تدويل القضية من خلال وزارة الخارجية ولكن إلى الآن لا حديث عن ذلك والآن بعض الساسة يستغلون ذلك انتخابيا مع قربنا من الانتخابات البرلمانية العراقية التي من المزمع إجراؤها في أكتوبر المقبل وسط تكهنات بتأجيلها.
سبق ذلك اتفاق محلي بين بغداد وأربيل حول مدينة سنجار بتطبيع الأوضاع فيها من خلال اتفاقية سنجار التي حظيت بدعم إقليمي ودولي وانقسام محلي حولها، ولكن الواضح أن الاتفاق بدأ يذهب إلى استغلال سياسي من قبل أطراف الصراع المحلي والذي يقف سدا منيعا أمام عودة النازحين الى مناطقهم في قضاء سنجار، ولا يمكن إخفاء وجود ضعف حكومي عراقي ساهم بطريقة ما بعدم تطبيق هذا الاتفاق ووعود الكاظمي لم تجد لها طريقا على الأرض إلى الآن.
وفي هذا السياق، قامت مؤسسة مسارات بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور الألمانية بجهد لعقد سلسلة جلسات بين دهوك وسنجار لغرض التشاور مع المجتمع الايزيدي حول الاتفاقية وترتيب أولوياتها في ظل اقتراب الانتخابات البرلمانية في أكتوبر 2021، حيث تم فتح حوار مع ممثلي المجتمع الايزيدي من النخب السياسية والاكاديمية والناشطين المدنيين والنساء والشباب وحتى ممثلي الفصائل المسلحة، وهذا يضعنا أمام تساؤل: لماذا تنجح منظمة مدنية في ما لم تنجح فيه الحكومات العراقية؟ فلماذا لم تتم مشاورة المجتمع الايزيدي في ما يخص مستقبله وقضاياه الأساسية.
كما ان الحرائق لم تفارق السنوات السبع ما بعد الافادة، وكان حريق مخيم شاريا للنازحين الإيزيديين بارزا في هذه السنة بعد فقدان أكثر من 230 عائلة ايزيدية لخيمها تم تحويلها إلى غرف صغيرة من الطابوق الاسمنتي وهذا يدل على أن رحلة النزوح طويلة، وسط صراعات سياسية ايزيدية داخلية مدفوعة من قبل قوى سياسية عراقية لاستغلال أزمة النازحين والانتخابات على الأبواب واللبيب يفهم من الإشارة.
لكن والحق يقال ان الحكومة العراقية الحالية، أبدت اهتماما يعد الأفضل بعد 2003 بالايزيديين كمجتمع يعاني من الإهمال والتهميش قبل 2003 وبعده وهو الأفضل رغم أنه لم يحل كافة قضايا الإيزيديين.
واستباقا لحلول الذكرى الأليمة السابعة، اعترفت بلجيكا وهولندا بالإبادة بعد أن كانت القضية خاملة بسبب الصراعات السياسية التي كان هدفها إلغاء فكرة ما حصل لهذا المجتمع الصغير، على أنها إبادة والذهاب الى اعتبارها مجازر عادية.
سبق ذلك مساهمة فريق التحقيق الدولي “يونيتاد” المشكل من قبل الأمم المتحدة في تثبيت ما حصل للإيزيديين وبالأدلة كجرائم إبادة جماعية من خلال وجود أكثر من 1000 مادة مسجلة تم تسجيلها من قبل الفريق الدولي.
ونحن ندخل العام الثامن للابادة، انتشر خبر تحرير فتاة إيزيدية في بغداد من الاستخبارات العراقية ما ترك لنا دليلا دامغا على وجود تلك المختطفات الايزيديات الباقيات في العراق وتحرير اخريات من مناطق سوريا إضافة الى أطفال من تركيا وهذا يجعلنا نشد على الحكومة العراقية لتكثيف جهودها لإيجاد البقية وتحديد مصائرهن.
الحكومة العراقية الراهنة او القادمة يجب أن تجد حلا جذريا لمعاناة الإيزيديين وتخفيفها قدر الإمكان من خلال إجراءات جدية لتأمين استقرار دائم يرافقه سلاما مستداما في سنجار، وبالامكان للحكومة العراقية ان تحقق إحدى المطالب الملحة للمجتمع الإيزيدي وهي تحويل سنجار لمحافظة مستقلة، تضمن من خلال إدارة مستقلة تشكيل قوة امنية من أبناء سنجار عدم تكرار الإبادة مرة آخرى.
فهل تستجيب الحكومة العراقية لهذا المطلب أم أن في الأفق الإيزيدي حرائق أخرى؟