بأشكال مختلفة يكرر نفسه ذلك الصراع الازلي بين الايدلوجيات السياسية في العراق “البعثية، الشيوعية، والإسلامية”، ويكاد يشابه ما نمر به حاليا ذات السيناريوهات التي مرت على العراق منذ الخمسينات من القرن الماضي حتى الان، قد تتغير الأساليب، لكن يبقى المستوى الشمولي بالتفكير ساريا حتى الان وان امتازت الحقبة البعثية بشمولية وتطرف طغى على الايدلوجيتين الاخريتين.
تتماهى كل واحدة من تلك الايدلوجيات مع أنماط تفكير مثيرة للقلق، ما ان تحكم قبضتها على السلطة حتى تريك وجها مختلفا تماما حتى عن الادبيات السياسية التي انطلقت منها. الملفت ان الأطراف الثلاثة لا ينكرون استغلالهم لادوات خصومهم بهدف التوظيف السياسي، طالما كرر الشيوعيون انهم كانوا يسيرون مواكب عزاء الى المراقد المقدسة بهدف التوظيف السياسي غير المعلن ويعتزون بذلك، البعثيون الذين طالما بشروا بوجه مدني علماني منفصل عن الدين وله معايير تقييم مختلفة عن التوجه الديني فانهم لم يتوانوا عن التجلبب بجلباب الدين والتمسح به في بعض الفترات، الإسلاميون الذين طالما اسسوا نظريا لمهاجمة العلمانية باشكالها المختلفة في الحياة السياسية والمدنية ها هم يبدون اكثر علمانية ومدينة ولو شكليا على الأقل من الجميع!
هل يتخيل منا عدد الضحايا من الكفاءات التدريسية واصحاب الشهادات العليا الذين راحوا ضحية تلك المحرقة، كل فريق يمتلك في ارشيفه جيوشا من الضحايا. ان مظاهر العنف التي حدثت قبل عقود في العراق والدعاية الحزبية تتسرب بشكل واضح الى النشاط الجماهيري اليوم.
التيارات الثلاثة قامت بتحديث ادواتها من اجل استمرار الصراع باشكال مختلفة انهم لا يتورعون عن الاخذ بنا الى المحرقة للمرة الالف. فلا تطلقوا العنان لانفعالتكم دون تحكم. المؤسف ان ذلك يتسرب عادة الى مظاهر الاحتجاج في الشارع وهي نافذة طالما استغلت من قبل الأطراف الثلاثة وعادة تقود تلك التدخلات الى نهايات دموية، ويبدو اننا في ذات الاتجاه.
تلك العادة السيئة لن تنتهي مالم ترسي جماعات الضغط تقاليد احتجاج عامة بعيدة عن هوس السياسي، نحن بامس الحاجة الى اطار عام لا يمثل قانونا وانما تقليدا نحرص على اتباعه في اطار التعبير الراي. ذلك التحدي الذي فشلنا فيه حتى الان سمح للصراع الثلاثي ان يطل بنفسه كل مرة من بوابة الاحتجاج الجماهيري غير الحزبي للأسف الشديد.
جمال الخرسان