صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

الاحتجاج على الحفلات الغنائية إهانة للدستور

في الخطب والبيانات الرسمية للمرجعية العليا في النجف، والمتمثلة بالسيد السيستاني، تحث دائماً على الاحتكام للدستور في حل الازمات والمشاكل وتسيير الحياة اليومية.

وتعتبر المرجعية الدستور كتاباً مقدساً يجمع العراقيين من زاخو الى الفاو، وهي تنأى بنفسها دوماً عن تدخلها بالقضايا الإدارية للدولة، ولا تسمح لأي ممثل لها، أن ينخرط في العمل الإداري والسياسي للدولة، لأن الأمر يتنافى مع قيم المؤسسة الدينية الإرشادية في النجف التي تأسست قبل أكثر من 1000 عام تقريباً، على يد الشيخ الطوسي (يقع قبره في واحة مرقد الامامين الكاظمين شمالي العاصمة بغداد).

لو عدنا الى قراءة الدستور مجددا، فالمادة الأولى به تنص أن “الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساسي للتشريع”، ولا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام”، لكن المادة الأولى تكمل في نص أساسي آخر، مكملا للنص الأعلى، هو “لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية، ولا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور“.

وتشدد فقرة أخرى من المادة الدستورية الأولى، أن “هذا الدستور هو الحفاظ على الهوية الإسلامية، لغالبية الشعب العراقي، كما هو يضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية، كالمسيحيين، والإيزيديين، والصابئة المندائية“.

لنبقى في عمق المادة الدستورية الأولى فلأكثر من مرة يوضح المشرع الدستوري الذي شارك فيه رجال دين شيعة ممثلون عن النجف، بأن ذكر الإسلام في الدستور كدين الدولة الرسمي، تعريف يراد منه الرمزية، لأن غالبية الشعب العراقي مسلمة. ولم يتضمن إلزام المجتمع بطاعة واتباع ثوابت الدين والشريعة الإسلامية، كما موجود في دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المادة الأولى، التي تنص على “أساس الايمان بالله الأحد “لا إله إلا الله”، والايمان بيوم القيامة والايمان بعدل الله في الخلق والتشريع.

بالتالي الدستور العراقي يخلو من إلزام العراقيين المسلمين او غيرهم بالشريعة الاسلامية، بل يوضح في المادة الثانية، “عدم جواز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية ومع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور“.

لنتعرف ماهي الحقوق والحريات الأساسية المذكورة في الدستور.

اولا / المادة 42 تنص بان “لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة“.

ثانيا / المادة 43 / فقرة، أولاً: أتباع كل دينٍ أو مذهبٍ أحرار، وفي الفقرة ثانياً:- تكفل الدولة حرية العبادة وحماية أماكنها.

ثالثا / في المادة 15 أن “لكل فردٍ الحق في الحياة والأمن والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق أو تقييدها، إلا وفقاً للقانون، وبناءً على قرارٍ صادرٍ من جهةٍ قضائيةٍ مختصة“.

رابعا / المادة 38 ، أن “الدولة تكفل حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر وحرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون.

خامسا / في المادة 41 أن “العراقيين أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم، أو مذاهبهم، أو معتقداتهم، أو اختياراتهم“.

بالتالي، العودة في التذكير بوابة الحقوق والحريات الأساسية المنصوص عليها في الدستور ياتي بعد قيام رجال دين شيعة مشهورين في خطبهم في المجالس الدينية “الحسينية” بتحريض الناس من الفقراء على استخدام أساليب العنف من اجل إيقاف الحفلات الغنائية في بغداد، بحجة مخالفة الشريعة الإسلامية والنصوص الشرعية في الرسائل العملية الفقهية لدى مراجع النجف، ما دفع بالعديد من جمهور الجماعات الإسلامية للتظاهر والاحتجاج أمام بوابة حدائق السندباد الواقعة في جانب الرصافة التي شهدت الحفل الأخير للفنان المصري محمد رمضان مطالبين بغلقها وايقاف الحفلات الغنائية الراقصة.

التظاهر في الدستور حق مكفول، والدولة مسؤولة عن حمايته، لكن الاحتجاج امام بوابة حدائق السندباد، وفقا للمشرع الدستوري، غير قانوني ويتعارض مع الدستور، بل يعتبر كفرة دستورية كبرى لأنها تتنافى مع الحريات الأساسية التي نص عليها الدستور.

الغريب أن من يحرض على مهاجمة الحريات الاساسية كحفلات الغناء هم اشخاص قريبون للمؤسسة الدينية في النجف ولهم تأثير كبير فيها، ويمثل هذا التحريض اهانة للدستور الذي صوتت عليه المرجعية العليا “بنعم” في استفتاء عام 2005.

بعيدا عن ذلك، هل اصبحت النصوص الشرعية الاسلامية هي بديلة عن الدستور الوضعي الذي يكفل صراحة التعددية العامة في العراق بما في ذلك اقامة الحفلات الغنائية؟.

لكون ما يجري من حملة على حدائق السندباد في بغداد يمثل ازاحة او انقلابا على الدستور الذي يمثل العقد الاجتماعي بين العراقيين، لأن بعد هذه الحملة العدائية على الحفلات الغنائية لا يستطيع العراقيون في الجنوب والفرات الأوسط الوقوف في وجه أي مكون يطالب بالانفصال أو تحويل مناطقه كونفدرالية، في ظل تحكم الجماعات الاسلامية المتشددة الانفصالية عن الدستور بالحياة العامة في بغداد/ عاصمة العراق الاتحادي.

وعلينا أن نتذكر أيضا عندما يحتج العراقيون على فساد السلطة وهيمنة العصابات الحزبية على دوائر الدولة وقيام العصابات بتخريب الدولة والعبث بحياتها اليومية وتحويلها الى اسوأ وأخطر جغرافية عالميا، وهؤلاء الناس وقتها يطالبون المؤسسة الدينية في النجف بالوقوف الى جانبهم عبر اتخاذ خطوات عملية تصعيدية كإصدار فتوى او غيرها للإطاحة بهذا النظام السياسي المرفوض اجتماعيا والحامي للفوضى بالدولة. هنا يكون الجواب من قبل ممثلي عن المؤسسة حاضرا: أن المؤسسة الدينية في النجف ليست ولاية الفقيه، وليس لها الحق في مزيد من التدخل. لو تدخلت أكثر من اصدار البيانات العامة فذلك يعني أن العراق أصبح مثل إيران والقرار العام يأخذ به بناء على توصية ومباركة المرشد الاعلى/ المرجع الاعلى. بل يوضح الممثلون اكثر من ذلك: يجب أن يفهم العراقيون أن العراق صحيح يعتبر دستوريا أن دين الدولة الرسمي له الاسلام، لكن الدستور تبع ذلك بتوضيح بان الدولة ليست قائمة على الاحكام الاسلامية او مبادئ القومية العربية، وانما هي “دولة اتحادية فيدرالية” خاضعة لمؤسسات الدولة.

أقرأ أيضا