صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

الاحتجاج والتدويل

حتى الآن لم يتحرك العراقيون بشكل جاد نحو تدويل احتجاجاتهم بالرغم من رغبتهم، وحتى سعادتهم، بأن يُظهر المجتمع الدولي شيئا من التعاطف والمساندة لهم ولقضاياهم العادلة. امتنع العراقيون عن فعل ذلك لأنهم لم يبلغوا بعد مرحلة اليأس من قدرتهم على إرغام هذه الطبقة السياسية على الإنصات والرضوخ والتغيير.

إن التدويل لم يعد له قيمة كبيرة عند العراقيين لأنهم قادرون – وبكل سهولة- على تحقيق ما سيأتي به التدويل لو شاؤوا. في المقابل فإن الإسلاميين يفقدون يوما بعد يوم، وساعة بعد ساعة، مصادر قوتهم. ولا شيء يقودهم إلى حتفهم أكثر من حالة الإنكار التي يعيشونها اليوم. لم يعد رصيد التأييد الشعبي للإسلاميين بين قواعدهم التقليدية كما كان في أيام المعارضة، حين كانوا يتحدثون عن الحريات والحقوق والعدالة ويوظفون في الآن ذاته سردياتٍ مذهبيةٍ تداعب مشاعر الطبقات البائسة. اليوم نضب تأثير هذه السرديات على وعي هذه الطبقة من الناس؛ لأنهم رأوا بأم أعينهم أن من بين أصحاب تلك السرديات من هم، وقبل غيرهم، أكثر الناس استخفافا بها واستغلالا لها. كل المعطيات تقول إنه لا يوجد أحد اليوم ينوي الدفاع عن الطبقة السياسية الحاكمة. ولو أن هذه الطبقة السياسية تعيش بين ظهراني جيشٍ كالجيش العراقي السابق لم يكن لها أن تصمد حتى ساعة واحدة، ولكان انهيارها أسرع وأسهل من كل التوقعات. خرج العراقيون بمئات الآلاف إثر الفتوى الدينية دفاعا عن بلدهم، ولكنهم لن يفعلوا ذلك ثانية فيما لو كان التهديد موجها للطبقة السياسية أو كانت هذه هي من تجني ثماره.

الطبقة السياسية اليوم باتت معزولة وفاقدة للمصداقية وغير مأسوف عليها، تماما كما كان الحال مع الأحزاب السياسية قبل 1958 والنظام المرتبط بها والذي كانه النظام الملكي. قد تظن الطبقة السياسية أن بإمكانها أن تنجوا ساعة الصفر، ولكنها في الحقيقة واهمة ويجب عليها أن تستيقظ سريعا من هذا الوهم. وما يفصل الشعب عن المبادرة إلى إيقاظ هذه الطبقة السياسية من وهمها هذا هو فقط عدم وجود طبقةٍ سياسيةٍ بديلةٍ لها، وحين تتوفر هذه الطبقة، فإن الشعب أول من سيبادر إلى قرع جرس الإيقاظ.

السلطة ملهاة كبيرة ومضللة لمن يمتلكها، والمجتمعات لا تصبر كثيرا على ذلك، وكلما تأخرت الطبقة السياسية في تعديل مسارها ضاعت على المجتمعات فرص أن تنضج بخياراتها وحلولها ومواقفها. والسياسيون، وليس سواهم، من يدفع المجتمعات إلى اللجوء إلى أكثر المواقف تطرفا ولاعقلانية.

للصبر حدود!

أقرأ أيضا