من المعروف بان للجريمة تعريفا اجتماعيا وفق النظم القانونية والاخلاقية للمجتمع البشري، إلا ان الجرائم كالقتل والسرقة والاغتصاب واعمال الشغب موجودة منذ الازل في وقت قد سبق نشوء النظم القانونية والاخلاقية في مجتمعاتنا.
يشترك في الطبيعة الاجرامية جميع الكائنات الحية في مملكة الحيوان، لذا فان فهمنا لجذور السلوك الاجرامي ومسبباته وفقاً للمصطلحات التطورية سوف يمكننا من الحصول على فهم اوضح للمسألة، ليس في معرفة اسباب الجريمة داخل المجتمع البشري فحسب وانما لمعرفة كيفية الحد من حدوث الجريمة.. لذا فنحن نتساءل هل يمكن ان يولد الانسان بميول اجرامية؟ ولماذا يختار الانسان طريق الجريمة؟ وما هي الظروف التي تدفعه لارتكابها؟
يفضل الكثير منا بان ينظر للقتلة والارهابيين على أنهم وحوش انسلخت عن الجنس البشري، ربما يعتبر هذا نكرانا للحقيقة ومحاولة للهروب منها، حيث ان لدى بعض الناس الاستعداد لارتكاب الجريمة فيما لو مر بظروف معينة لاسباب جينية.
فالسلوك الاجرامي لا يقتصر على البشر فقط، انما يمارسه الكثير من الحيوانات ايضا، على سبيل المثال تقوم قردة الشمبانزي بقتل طفل الشمبانزي المولود حديثاً من عائلة شمبانزي اخرى نتيجة الصراع للسيطرة على موارد منطقة معينة.
وعندما تقوم احدى اناث القندس ببناء عش في منطقة نفوذ انثى قندس اخرى، تقوم الاخيرة بانتظار مغادرة القندس الام من العش لتقتل اطفالها المولودين حديثاً.. هذا السلوك الاجرامي هو صفة تطورية اكتسبها الحيوان لغرض زيادة فرص التكاثر.
هذا لا يعني بكل حال من الاحوال بان هذه الاعمال جيدة بالمعنى الفلسفي للخير والشر، بل هذه هي الطبيعة وهي قاسية كونها صفة تطورية صممتها الطبيعة، ويجب ان نعتبرها من المسلمات.
غالبا ما يردد اصدقائي النخبويون هذه العبارة إلا أنها تعتبر ضمن المغالطات المنطقية، ويطلق عليها مصطلح Naturalistic fallacy. وتمثل الاعتقاد بان الصفات الموروثة هي جيدة بصورة اوتماتيكية فقط لأنها صممت كطبيعية سابقا.
إن الكثير من الصفات الطبيعية مضرة بنا ومليئة بالأخطاء ولا تجلب لنا سوى التعاسة والالم، لا لشيء الا لان الطبيعة قاسية وليس علينا ان نكون قساة.
في احدى الدراسات الجينية التي تم اجراؤها في فنلندا لما يقرب من 900 مجرم وجانٍ تم اكتشاف جينين يرتبطان ارتباطا مباشرا بالجريمة، وبسبب امتلاكهما يكون الشخص أكثر استعداد لارتكاب الجريمة واعمال العنف بمقدار 13 مرة عن الشخص الاعتيادي الذي لا يمتلك مثل هذه الجينات. كما أثبتت الدراسة أن 10-5% من الجناة في فنلندا يمتلكون هذه الجينات.
ترتبط الكثير من الجينات الاخرى بقابلية الانسان على ارتكاب اعمال العنف والجريمة كما تساهم في ذلك عوامل بيئية اخرى تتعلق بالمحيط الذي يولد عليه الانسان.
نجد الكثير من الناس يميلون بشكل كبير الى الالعاب الفيديوية التي تتضمن حرب العصابات والالعاب الحربية الدموية، فهم يفرغون رغبتهم نحو العنف داخل هذا العالم الافتراضي، إذ أن العقل البشري لا يفرق بين العالم الافتراضي والواقع.
في النهاية، ان امتلاك هذا الجين لا يجعلك ترتكب الجريمة بشكل حتمي، فالحالة العقلية للانسان ومدى فهمه لعواقب اختياره تحول معظم الاحيان دون الاستسلام الى ميوله الجينية، وبامكان العقل البشري كبح الميول الاجرامية، في الواقع الكثير ممن امتلكوا هذا الجين لم يقدموا على اي فعل اجرامي.