صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

الانتخابات العراقية.. بين المشاركة والمقاطعة

أسدل الستار على الانتخابات في العراق، وشارك من شارك، وقاطع من قاطع، ولكل حججه وذرائعه التي تمسك بها. منذ فترة وأنا اُطالع حجج الداعين للمقاطعة، في محاولة مني للوصول الى قناعة بالانضمام لهذه الحملة التي انضم اليها الكثير من الشباب وبدت أكثر تنظيما في آخر أسبوع قبل موعد الانتخابات البرلمانية، بهدف منح بصيص أملٍ للتغيير والحد من صعود الفاسدين الى البرلمان مرة أخرى. فهل المقاطعة هي الخيار الأمثل للاعتراض على سير العملية السياسية؟ وهل هناك تجارب مقاطعة للانتخابات ناجحة حول العالم للاقتداء بها؟

أخذت أطالع أحدث البحوث والدراسات الدولية حول التجارب المشابهة في العالم، فوجدت أن السبب الذي يقاطع من اجله بعض الناشطين في العراق، هو عدم قناعتهم بقانون الانتخابات، ويريدون تغييره، لأنه يكرس خدمته لصعود الكتل الكبيرة غالبا، واكتشفت أن هذه الحالة غير موجودة عبر العالم، بل انها لم تحدث منذ نشوء الانتخابات سوى مرتين، الاولى في الانتخابات الرئاسية الآذربيجانية 1998 حين قاطعت المعارضة، الانتخابات الرئاسية، إلا أن الأمر انتهى بالتلاعب على الرغم من تغيير القانون، والمرة الثانية هي ما حصل في الكويت نهاية العام 2012 في الانتخابات البرلمانية، ولنفس السبب، إلا أنها لم تفض إلى ما أراده المقاطعون هناك.

في دراسة لجامعة “دورهام” البريطانية حول مقاطعة المعارضة والشعوب للانتخابات، تؤكد أن وجود مراقبين دوليين، يعزز من نزاهتها، ولا مسوغ للجماهير بالمقاطعة، ويمكنهم طلب المزيد من المراقبين، وتذكر الدراسة أيضا أنه في ظل الجو الديمقراطي للانتخابات يمكن للجماهير أو المعارضة صنع بديل سياسي يمثلهم في الانتخابات، وهذا أفضل بكثير من مقاطعتها التي لن تجدي نفعا في ظل السياسيات الديمقراطية الحالية، حتى وإن شكلوا أغلبية واضحة، لأن هذا بدوره سينعكس إيجابا إذا ما شاركوا في الانتخابات، وعلى مستوى المقاطعة الشعبية، فلم يسجل دور حاسم حسب الدراسة، للمعارضة في إحجام الشعب عن الاقتراع، وكانت أهم انجازات المعارضة في الدول العربية سجلت في مصر 1990 بمقاطعة نصف الناخبين للانتخابات.

ويقول الكاتب الأميركي ليندبرغ ان لدى أحزاب المعارضة الدافع الكافي للمشاركة في الانتخابات لاكتساب الخبرة والرؤية واكتساب موطئ قدم في البرلمان حتى لو تضاءلت حصتها من الأصوات، وأنه على المدى الطويل، فان العديد من أحزاب المعارضة ستكون أفضل حالا عند المشاركة في الانتخابات.

وتشير بعض الدراسات الاخرى الى احتمال وصول الامر بين السلطة والمقاطعين الى العنف، وهذا ما ينعدم في العراق، لذا لن اتطرق اليها.

برأيي إن المشاركة في الانتخابات من شأنها أن تكشف عن قوة المعارضة، وعكس ذلك فإنها تكشف عن معضلة تؤكد عدم قدرتها على المنافسة في الانتخابات، فإذا قاطعت الانتخابات ثلة من الجماهير المؤثرين، فإنهم يستبعدون تلقائيا أنفسهم من التأثير المحتمل ووضوح الرؤية.

وفي ظل تنامي دعوات المقاطعة ارتفعت حظوظ المؤدلجين والموالين للأجندات الحزبية بتحالفاتها المعروفة ذات الشعبية والجماهير الثابتة التي لا تتأثر بأي دعوة للمقاطعة.

في ذات الوقت، تأتي مقاطعة الانتخابات عاملا منعشا وجبارا للدول صاحبة النفوذ في العراق، فبعد ان كانوا خائفين من انحسار حظوظ أحزابهم في الانتخابات، جاءت المقاطعة تطمأنهم بأن الجمهور الثابت سيفي بالغرض، ولن يكون هناك تغيير كبير في صفوف أعضاء البرلمان القادم.

يبدو أن الداعين للمقاطعة كل مرة، عجزوا عن فرز بديل يمكنهم من دعمه خلال الاستحقاقات الانتخابية المتعاقبة، وهو تجسيد لشكل من أشكال اليأس، غير أن الأمر سيصعب من عملية التغيير.

أقرأ أيضا