بعد احتلال العراق في عام 2003 نشطت الأحزاب السياسية التي دخلت العراق في الترويج وبث الاشاعات التي تحاول ان تجمل من خلالها صورتها المشوهة لدى المجتمع العراقي فقامت ببث دعايات هنا وهناك وتتحدث في وسائل الاعلام انها ستوفر مواد البطاقة التموينية بعدد يصل الى 40 مفردة، لتترك للمجتمع العراقي المصدوم من حرب 2003 ونتائجها ان يؤلف من عقله الباطن ويساعدهم في مشروعهم التظليلي ليتحدث عن توزيع المشروبات الكحولية واللحوم والعطور ضمن مواد التموينية، ليصبح المواطن شريكا في سلسلة الفساد التي تمتد من الرئاسات الثلاث والحزب الذي يهيمن على الوزارة لأنها حصته من كعكة الفساد التي تقاسمتها الأحزاب السياسية ومن ثم الشركات المجهزة لمواد البطاقة التموينية وأصحاب المطاحن وموظفي فروع التموين ووكلاء المواد الغذائية لتنتهي بالمواطن نفسه ليستوطن الفساد في هذه الوزارة.
لكنه في ظل جائحة كورونا 2020 وصل الشعب العراقي الى انعدام مواد البطاقة التموينية بشكل تام دون ولمدة 4 أشهر دون أي عذر قانوني، وهذه كارثة كبيرة ساهمت بتجويع ملايين العراقيين الذين فقدوا عملهم ومنهم من يسكن العشوائيات وذوي الدخل المحدود في ظل جائحة كورونا لينقض عليهم شبح الفساد السياسي ويخطف مواد البطاقة التموينية.
لوزارة التجارة تاريخ حافل بقضايا الفساد المتغلغل في جميع شركاتها، ولا زالت عالقة بأذهاننا صور فساد هذه الوزارة، حيث شاهد الشعب العراقي عبر وسائل الاعلام المختلفة كيف أدين وزير التجارة عبد الفلاح السوداني بقضايا فساد وحكم عليه بالسجن بعد ان حقق ثروة تتجاوز المليار دولار من عمولات العقود التي يبرمها في الوزارة وطالت يد القضاء أشخاصا اخرين من مسؤولي الوزارة وحكم عليهم وادينوا أيضا بقضايا مثل قضية الشاي الذي يحتوي على برادة الحديد والزيت الفاسد في موانئ البصرة، وكذلك باخرة السكر التي تعرضت لحادث تفجير إرهابي وهي راسية في الموانئ العراقية في زمن كان الأسلوب المتبع بالفساد هو حجب السكر عن المواطنين لفترة ومن ثم المناداة بضرورة توفيره وتوزيعه بأسرع وقت ممكن ويعقد الوزير المؤتمرات ورئيس الحكومة يفتخر ان مادة السكر في عرض البحر انتظروا أياما وستوزع، ليلعب الفاسدين لعبتهم من خلال شراء مادة السكر بسعر اكثر من 950 دولارا للطن الواحد في الوقت الذي سعره بالبورصة العالمية لا يتجاوز 320 دولارا وهناك شركات عالمية تقدم عروضا بمبلغ 450 دولارا للطن لكن تهمل طلباتها بينما تستجاب طلبات يتقدم بها شيوخ عشائر لانهم سيساندون الحزب المهيمن على الوزارة في الانتخابات، وكذلك صفقة الرز الفاسد غير الصالح للاستهلاك البشري، هكذا تحكم الفاسدين في قوت المواطن واستباحوا حرمته وحرمة أمواله.
لكننا في حياتنا اليومية نشاهد ونسمع عن الكثير من حالات الفساد حتى وصلنا الى قناعة تامة ان الفساد في البطاقة التموينية ما هو الا سلسلة تبدأ بالسياسي وتنتهي بالمواطن ، حيث ان السياسي يستغل الوزارة للأثراء غير المشروع وتحقيق اهداف حزبه والمسؤول في الوزارة وموظفيه يلبون أوامر السياسي ليضمنوا غنيمتهم من هذا الفساد وكذلك أصحاب المطاحن يقومون باستبدال الحنطة التي تجهزها لهم الوزارة بحنطة نوعية رديئة ويقوموا بطحنها وتوزيعها على المواطنين ، الى ان وصل الامر بالمواطن العراقي ان يحفظ أسماء المطاحن الفاسدة والتي طحينها نوعية رديئة ليقوم ببيعها على الوكيل في منطقته بسعر رمزي، وأيضا هنا الوكلاء منهم النزيه وصاحب الضمير الذي يعطي رشاوى ويضغط من اجل جلب طحين نوعية جيدة للمواطنين ، ومنهم من يستلم نوعية جيدة ويقوم ببيعها على التجار ليحصل على الفرق بالسعر لينتفع به ويجهز المواطن طحين نوعية رديئة ليكمل مشواره من خلال شراء الطحين من المواطن بثمن بخس ليبيعه على الباعة الجوالين ويحقق ربح منه ، والبائع الجوال أيضا يحقق ربح مادي منه وبالتالي يعود كيس الطحين الى نفس المطحنة التي انتجته لتزوده من جديد الى وزارة التجارة محققة أرباح تصل الى 60% من قيمته دون العمل او الإنتاج.
ومن هنا ارتفع الدخل القومي لمواطني إقليم الفضيلية الذي يشكل فيدرالية عصية على الدولة، لأنهم هم الباعة الجوالين وهم أصحاب المطاحن ليغزوا مناطق بغداد الراقية ويتملكوا العقارات فيها، وكذلك اثراء وكلاء المواد الغذائية والطحين بسبب عدم انتظام وزارة التجارة بالتوزيع لمواد البطاقة التموينية ليستغل الوكلاء هذه الثغرة ويسرقوا حصص المواطنين لأشهر عديدة خلال السنة.
من كل التفاصيل أعلاه نصل الى نتيجة واحدة وهي انعدام الخلق السياسي في العراق والذي تسبب بكل الكوارث التي حلت بالبلد ومنها الفساد المتوطن في الوزارات والعقود العامة، لذلك لا سبيل لحل هذه الازمة الا المواطنة النشطة، حيث يجب ان يكون الأداء السليم للمؤسسات العامة قضية أساسية ليس فقط لأجهزة الدولة ، بل بالدرجة الأولى للمواطنين لانهم الملتزمون بالسلطات العامة والذين انتخبوهم هم ، وفوضوهم استلام مقاليد السلطة الشرعية حيث تخضع تلك السلطة المختصة الى القانون وتهدف الى حماية حقوق الافراد وتضمن النظام العام وتعزز المصالح المشتركة ، لذلك المواطنين هم اول المستفيدين من إدارة سليمة في الدولة وتؤثر الخدمات العامة فيهم.
المواطنة النشطة حصدت دعما من خلال الاحتجاجات الاجتماعية التي ظهرت في العراق عام 2011، والتي طالب من خلالها المواطنين بالحد من الفساد وتحقيق مساواة اجتماعية أكبر من خلال المشاركة الديمقراطية وتعزيز حقوق الانسان والتي أدت الى ان السيطرة على الفساد والمسائلة الحكومية هي ذات أهمية مركزية كبيرة لدى الحكومات بعد عام 2011.
لذا فالحلول هي في ساحة المواطن وليس الحكومة، فالمواطن يجب ان يأخذ دوره في الرقابة والمسائلة وأيضا هناك واجب على منظمات المجتمع المدني التي يجب عليها ان تطرح مبادرات في مناطقها لتراقب نوعية تلك المواد في البطاقة التموينية ومواعيد توزيعها بالتنسيق مع الوزارة وفروع التموين والوكلاء من اجل تحقيق المساواة الاجتماعية لأنه في المناطق الفقيرة تنتهك حقوق المواطنين من قبل كل من تقع حقوقهم بين يديه، إضافة الى تفعيل المساءلة الاجتماعية وإبلاغ الجهات المختصة من اجل تفكيك سلسلة فساد البطاقة التموينية لان “الحقوق تؤخذ ولا تعطى”.