يتضح من قراءة هادئة لواقع جغرافية الوطن العربي في منطقة الشرق الأوسط، أن ثمة بلدان يسري سرطان الإرهاب في جسدها، وثمة بلدان تجاورها تبدو خالية من قوى الإرهاب وما تؤديه من أفعال الخراب، وهو شأن يدعو للتساؤل والتأمل.. البلدان التي يسري الإرهاب وأفعاله في جسدها هي بلدان تتميز شعوبها بالحيوية وتتوارث في ذاتها جينات الإبداع، جيلا بعد جيل منذ آلاف السنين، وهي حقيقة فيزيائية وعلمية.. وفي المقدمة من شعوب المنطقة هو شعب الوطن العراقي، الذي أصبح في آخر قائمة التأخر والإنهاك الجسدي، يعيش شعبه في زوايا العتمة والنسيان، وتنتهك بلدان منابع المياه قوانين الأنهار الدولية ليعم الجفاف أنهار الرافدين الآتية من تركيا وإيران وحتى من جبال شمال الوطن العراقي، حتى ليوشك العطش أن يطال الفرد بعد أن طال الأرض وبساتينها فذبلت سعفات النخيل وجفت عذوقها، وماتت النخلة التي تحمي الوطن من غبار التصحر وتسد رمق الفقراء رطباً جنيا. ولم يعد حتى لثروات العراق قيمة تذكر، فصار العراق يبحث عمن يقايضه برميل النفط مقابل برميل الماء. وهو شأن يود الإنسان أن يتوارى خجلا من مواجهة الناس على كوكب الأرض من شدة الإخفاق وعمق الدونية!
لن نخجل أن نحيل الواقع إلى سلوك “المؤامرة” التي عمل الإعلام على تسخيفها.. وهي مؤامرة تقف خلفها الدولة العبرية علنا وجهاراً، وينفذها ضباع أهل الصحراء وأصحاب شواهق الألمنيوم التي يعلوها الصدأ والصدى حين تمر من أمامها.. فهي خاوية وخالية من الشعور بالآدمية!
منذ زمن ليس بالبعيد سرت موجة بين ممتهني الثقافة في العراق في فتح بوابات تحمل زوراً حمامة السلام مع الدولة العبرية، التي خطط لها في مؤتمر “بال – بازل” في سويسرا عام 1897 لإنشائها، بعد ظاهرة تركز وتمركز رأس المال. وحتى تحقق هذه الدولة القائمة على الباطل، لابد وأن تتأسس دولة هجينة، على مذبح القداس الفلسطيني. فظن من جملة من يظن بأن الإقتراب من الدولة العبرية تفتح أمامه نوافذ الجنة وأبوابها فتسمع موسيقاه بالأبعاد الثلاثة، وتنشد أغانيه في روتانا، وتتألق أفلامه في فينيسيا، وتترجم قصائد شعره بلغات العالم، حتى باللغة العبرية.. وشيئاً فشيئاً وضحت العلاقة التطبيعة وسميت بإسمها بين النيل والفرات.. كان التطبيع سياسيا وإعلامياً، ثم زحف التطبيع ليشمل إستراحة الأسبوع، فأصبحت جمعة محمد نبي المسلمين سبت موسى، ليغير الله يوم إستراحته بعد أن خلق الكون في ستة أيام وإختار السبت لإستراحته في اليوم السابع، بدلا من الجمعة المباركة. ثم تلوثت السكين العربية بدم الخنزير بعد أن تلوثت بدماء الأبرياء، والخنزير ليس محرماً بكتاب الله فحسب، بل أن الذي يدنو منه، يوسم بعديم الغيرة كما يعتقد المسلمون، لأن الخنزير حين يمارس خنزير آخر، الجنس مع أنثاه لا يحرك ساكنا، بل يقف متفرجاً على أنثاه وهي تغتصب أمام ناظريه.. وهذا معنى التعامل مع الخنزير، فيصبح العربي والمسلم والحالة هذه “غيره سز – عديم الغيرة” ليس بطعم الطعام بل بمعنى الفرجه.
تلوح في الأفق بوادر التطبيع في بلاد سومر أهل الكتابة الأولى والقوانين الأولى والملامح الأولى لوطن إسمه العراق.. مؤتمر تطبيع هناك في شمال الوطن، و”كزدورة” هنا في شارع المتنبي، ودعوة دعاة التطبيع لمعارض الكتب “جسراً إلى الموكب العابر” ووكلاء من الكورد لشراء بيوت اليهود لحمايتها تمهيداً للمشهد الآتي، وزيارات سرية من قبل ساسة نجوم شاشات التلفزة، نحو الكيان الغاصب تارة، وتارة عبر البلدان التي أدت ولاء القسم والتقسيم. و”دولتك يا إسرائيل تمتد من النيل إلى الفرات”هذا هو القسم الصهيوني والذي حفر في واجهة الكنيست، ورسم على العلم خطان أزرقان هما النيل والفرات تتوسطهما النجمة السداسية. وعلم الدولة العبرية، ينبت في ساحة بعد ساحة من أوطان العروبة والمسلمين.. ويرفرف كيانا بعد كيان في بلدان العروبة والمسلمين.
فإذهب أيها العراق في أي تجاه تشاء، فلم يبق على أرضك وفي هوائك ما يستحق البقاء، ولا ما يستحق حتى البكاء.. إذهب فلقد ذبلت عذوق نخيلك ويبس سعفها وبات حطباً لشتاء بارد حين يغيب الدفء، وتتم مقايضة برميل نفطك مقابل برميل مائك.. لست وحدك الزاحف نحو التطبيع، فلقد ضاجع الخنازير إناث خنازير أمتك وهم يتفرجون.
لو إكتمل المشهد العربي والإسلامي تطبيعاً، ورفرفرت الرايات الإسرائيلية في سموات العرب والمسلمين، ولو إعتذر حتى الفلسطينيين عن نداء ودعاء المقاومة، ولو إعتذرت أم كلثوم عن أغنيتها “أصبح عندي الآن بندقية.. إلى فلسطين خذوني معكم” ولو إعتذرت فيروز عن زهرة المدائن، ولو إعتذر علي محمود طه عن قوله “فلسطين يفدي حماك الشباب وجل الفدائي والمفتدى.. وقبّل شهيداُ على أرضها.. دعا بإسمها الله وأستشهدا..”.
لو لم يبق في العالم من هو ضد التطبيع، فسوف يبقى شخصان لن يوقعا على بيان التطبيع:
أنا.. وصورتي في المرآة..!
سينمائي وكاتب عراقي مقيم في هولندا