في إطار العمل السياسي واتخاذ القرارات الحكومية، يعبّر التسامح السياسي عن قدرة الأفراد والمجتمعات على التعايش والاحترام المتبادل للآراء والمعتقدات السياسية المختلفة، كما يعد التسامح السياسي أحد الأسس الرئيسية للديمقراطية والتعددية، إذ يشجع على تنوع الأفكار والمواقف والاهتمامات داخل المجتمع، ويضمن حقوق الأفراد في التعبير عن آرائهم السياسية دون خوف من العقاب أو التمييز.
عندما يكون هناك تسامح سياسي، يستطيع الأفراد والجماعات المختلفة أن يشاركوا في نقاش وحوار بناء حول القضايا السياسية، وأن يتفاعلوا بطرق سلمية ومدنية، حيث يُمكن التسامح السياسي الأطراف المتنازعة من العمل معًا لإيجاد حلول مشتركة والوصول إلى توافقات، مما يسهم في الاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي.
من جانب آخر، يلعب التسامح السياسي دورًا في تعزيز حقوق الأقليات والمجموعات المهمشة، وفي تجنب التمييز والعنف السياسي. بالإضافة إلى ذلك، يُمكن للتسامح السياسي أن يحقق توازنًا في القوى السياسية ويضمن الشفافية والمساءلة السياسية.
بشكل عام، يُعَدّ التسامح السياسي أساسًا لبناء مجتمعات ديمقراطية تقوم على حقوق الإنسان وحكم القانون. فهو يضمن حرية التعبير والمشاركة السياسية للجميع، بغض النظر عن اختلاف آرائهم ومعتقداتهم.
التسامح السياسي في العالم العربي
يشكل التسامح السياسي تحدياً في العالم العربي، حيث تختلف الدول العربية في درجة تعزيز ثقافة التسامح واحترام الآراء السياسية المتباينة. تأثر درجة التسامح السياسي بعدة عوامل، مثل التاريخ السياسي والاجتماعي، والتوجهات الثقافية والدينية، والتحديات الاقتصادية والأمنية.
هناك بعض الدول التي تتبنى نهجًا مفتوحًا تجاه التيارات السياسية المختلفة وتشجع التعددية السياسية وحقوق الإنسان. تسمح هذه الدول للمعارضة بالتعبير عن آرائها والمشاركة في العمل السياسي، وتعترف بالتنوع السياسي وتعزز الحوار والتوافق بين الأطراف المختلفة.
ومع ذلك، هناك دول أخرى تواجه صعوبات في تحقيق التسامح السياسي. تشهد بعض هذه الدول توترات سياسية واجتماعية تعيق الحوار والتفاهم بين الأطراف المختلفة. وقد يفرض قيودًا على حرية التعبير والمشاركة السياسية، مع قمع المعارضة واحتجاجات الشارع.
من المهم أن يعمل العالم العربي على تعزيز التسامح السياسي والديمقراطية، وتشجيع حوار الأفكار والمصالحة الوطنية. يجب حماية حقوق الإنسان وحرية التعبير والتجمع، وضمان مشاركة جميع الأطراف في صناعة القرارات السياسية بشكل شامل وعادل. تتطلب هذه الجهود إجراء إصلاحات سياسية ومؤسسية.
التسامح السياسي في العراق
على الرغم من التحديات، يشهد العراق تطورًا في مجال التسامح السياسي، حيث يعكس تواجد ممثلين وأحزاب وتشكيلات ومنظمات مدنية وسياسية واجتماعية تنوع الشعب العراقي والتسامح بينهم.
ومع ذلك، لا يخلو الوضع من بعض الإشكاليات والسلبيات، بما في ذلك التوترات السياسية التي تتحول في بعض الأحيان إلى أعمال عنف تؤثر في حياة المواطنين العراقيين الأبرياء.
تاريخ العراق يحمل آثاراً كبيرة من الطائفية السياسية التي تفاقمت خلال العقود الماضية حتى سقوط نظام البعث، وقد ترتب على ذلك كوارث ومجازر كبيرة. ومع ذلك، يعمل العراق على بناء نظام سياسي ديمقراطي يشجع على التسامح والاحترام المتبادل في إطار تجاوز هذه التحديات.
بصورة عامة، يتجلى التسامح السياسي في قدرة العراقيين على التفاهم والتعايش السلمي رغم اختلافاتهم. ويعد ذلك إشارة إلى الوعي والنضوج السياسي للشعب العراقي، الذي يسعى لبناء مستقبل يستند إلى المشاركة السياسية المتبادلة وحماية حقوق الإنسان.
من أجل تعزيز التسامح السياسي في العراق، يتطلب الأمر العمل المستمر على تحقيق الاستقرار السياسي وتعزيز الحوار والتوافق بين الأطراف المختلفة. يجب أن يتم تعزيز حقوق الإنسان وحرية التعبير وتعزيز العدالة والمساءلة لضمان مشاركة شاملة وعادلة لجميع فئات المجتمع العراقي في صنع القرارات السياسية.
التسامح السياسي في الغرب.. السويد نموذجا
من الواضح أن هناك تفاوت كبير بين مستوى التسامح السياسي في السويد والعراق. في السويد، على الرغم من تقدمها في مجال الديمقراطية والنظام السياسي القويم، هناك بعض التحديات والانتقادات الموجهة للمسلمين والتي تكشف عن ضعف التسامح السياسي تجاههم في بعض الحالات.
في عام 2019، تأسس حزب “نيانس” (PARTIET NYANS) بواسطة سويديين مسلمين من أصول أجنبية. ومع انتشار هذا الحزب، بدأ هجوم إعلامي وسياسي ضده من عدة جهات. كانت الذريعة الأولى للمعترضين هي أن السويد دولة علمانية وأن نظامها السياسي لا يمكن أن يقبل حزبًا ذو صبغة دينية.
من الأمثلة الأخرى التي تشير إلى ضعف التسامح السياسي تجاه المسلمين في السويد هي قضية حرق القرآن. بينما تعتبر السلطات السويدية حرق القرآن تعبيرًا عن الرأي وتحميه بموجب الدستور، إلا أن توقف منح تصاريح جديدة لعمليات حرق القرآن بعد اعتراض تركيا على طلب عضوية السويد في حلف الناتو يعكس تحولًا في الموقف ويشير إلى قضية التمييز في التعامل مع الديانات.
الوعي
يعد بناء الثقة بين المواطنين والسلطات الحكومية أمرًا حاسمًا لتعزيز التسامح والمشاركة السياسية، وهو ما يستدعي العمل على ترسيخ الشفافية والمساءلة، وتقوية دور المؤسسات الديمقراطية في حماية حقوق الإنسان وتعزيز المساواة، والتداول السلمي للسلطة عبر انتخابات عامة ونزيهة.
بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تعزيز الحوار والتواصل بين جميع الأطراف السياسية والمجتمعية في العراق، وتشجيع المشاركة الفعالة والشاملة لجميع فئات المجتمع، بل يجب أن تكون هناك مساحات للحوار والتفاهم وحل النزاعات بشكل سلمي وبناء.
علاوة على ذلك، يمكن للتوعية والتثقيف السياسي، أن يسهم في تعزيز التسامح السياسي في العراق، وذلك لضرورة تسلّح المواطنين بالوعي الكافي بحقوقهم وواجباتهم، وقد يتحقق ذلك من خلال فعاليات عديدة، من بينها تشجيع المشاركة المجتمعية والسياسية في المدارس والجامعات.