صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

التضاد في خراب البلاد

تبين الوقائع التي تطفو على سطح العملية السياسية، أن الغالبية الشيعية التي اعتادت الحكم توافقياً مع الغير من السنة والأكراد والتركمان وغيرهم تحت بند الضرورة قد انقسمت على نفسها وكونت اتجاهين أو نهجين مختلفين لما يتعلق بإدارة الدولة والمجتمع التي لم تتحرر من تدخلات ومحاور السياسة الخارجية الدولية بعد، وهو انقسام يعد طبيعياً في ظروف المجتمع العراقي الذي تأسس منقسماً في الأصل، وكذلك طبيعياً في إطار العملية السياسة التي ولدت مجزأة في الأساس، حتى أصبح من السهل علينا أن نرى مجتمعنا العراقي ومنذ توجهه الى الديمقراطية، كأن رؤى أصحابه تنحو طبيعيا باتجاه التقسيم، ومصالحهم تدفع الى التقسيم واجتهادهم في الإدارة والسياسة بحد ذاته يدفع الى التقسيم، والذات التي تضخمت يسهم تضخمها في التقسيم.

لكن غير الطبيعي هو تهافت الأضداد لهذا المُقَسَمْ في أن يتوحد في منتوج جديد، فاليسار الشيوعي قد أقترب كثيراً مع اليمين الشيعي، وأحزاب من الإسلام السني التي عادت إيران طوال الفترة السابقة بمواقف وشعارات تركت عداوتها الظاهرة وركب قادتها العربة التي يؤمن أصحابها أنهم الأقرب الى إيران، والمُدَّعُون بالمقاومة والمحرضون على الاعتصام، اختزلوا زمن المقاومة وتجاوزوا شعارات الاعتصام وحجزوا لهم مقاعد في العربة التي يقودها أعداء لهم كانوا في الأمس يحلون ذبحهم لما تسببوه من إراقة دماء عراقية، والأكراد الذين يمتلكون قوة أعصاب في الشد والجذب السياسي أكثر من غيرهم يقتربون من العربة التي يقودها من اتهمهم بالعمالة والخيانة ومن اتهموه بالتعنصر ضدهم وعدم الإيفاء بالوعود التي وعدها لهم.

أضداد يلتقي أصحابها أو يتفق أصحابها في تشكيل الكتلة الأكبر بشكل غير منطقي، الأمر الذي يدلل أن هؤلاء الأصحاب أو أغلبهم لا يعيرون اهتماما لجمهورهم، بل وقد لا يكون لهم جمهور في الأصل، ويدلل أن معظمهم يرتبطون بجهات خارجية هي من تأمرهم في أن يذهبوا بهذا الاتجاه أو ذاك وان كان نقيضاً لاتجاهاتهم الأصلية، ويدلل أيضاً أن ساحتنا السياسية العراقية ما تزال مرتبطة ارتباطا وثيقاً بعجلات السياسية الدولية الإقليمية التي يتنافس قادتها للحفاظ على نفوذ في العراق أو لتوسعة نفوذ في حرب نفسية شديدة الوطأة. ويدلل كذلك أن مشوار النضج أمامنا طويل وستبقى السياسة في بلادنا هكذا تتقلب في المواقف والأفكار خارج المنطق، منتجة تناشز عقلي يدفع الجمهور الى القلق وعدم الاتزان. ويدلل في الوقت ذاته أننا مجتمع يسهل استخدامه أدوات قتال بالإنابة بين دول لا تريد التصادم المباشر فيما بينها ولا تريد لمواطنيها الموت في حروب تفتعلها بعد أن تَوَفرَ لها من يموت عنها بالإنابة. ويدلل أننا ساسة وأعوام لم نتعظ من ماض اسْتُخدمنا فيه مقاتلين بالإنابة أكثر من مرة، وخسرنا أكثر من مرة، وسنخسر أيضا في هذه المرة.

أقرأ أيضا