صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

التطرف في الإلغاء 

ثقافة الإلغاء بدأت كنقد مجتمعي يهدف إلى المساءلة، لكنها سرعان ما تحوّلت في بعض سياقاتها إلى سلاحٍ للتسقيط، يُمارَس بلا ضوابط، ولا سيما حين يُوجَّه ضد من يمثلون الدولة بصفتهم الرسمية. 

ما ان يتحوّل النقد من مناقشة الأداء إلى التهكم على الرمزية يُصبح الفعل تقويضاً لا تصحيحاً.

أذكر أنني كنتُ يوماً ما في بيروت على موعد مع صديقٍ أخبرني أن سكنه في فندقٍ مجاورٍ لبيت السنيورة. 

وعند اقترابي من المكان سألت أحد المارّة: “هل هذا بيت السنيورة؟”

 فقال لي بأدب: “ لا ، هذا بيت دولة الرئيس السنيورة.” 

عندها كبر الرجل في نظري وأسفت على طريقتي في الكلام وزاد ذلك من احترامي لهم. 

لم يكن تصحيح العبارة مجرّد بروتوكول لفظي بقدر ما كان تعبيراً عميقاً عن ثقافة تحترم الرمزية وتُقدّر الموقع العام.

إنّ من يمثل الدولة يُجسّد ذاته في الوقت نفسه يحمل موقعها وهيبتها. النقد السياسي مشروع لكن التعدي على الرمز الرسمي يُصيب صورة الدولة قبل أن يصيب فرداً بعينه. 

وما شهدته القمة العربية في بغداد من إساءات لبعض الشخصيات يكشف عن خلطٍ مؤسف بين نقد الأداء والإساءة إلى الرمزية.

في الأنظمة الرصينة يُنتقد الحاكم دون الاساءة لمنصبه لأن احترام الدولة يبدأ من وعي المواطن بأن الرمز العام ليس ملكاً لحزب أو فرد، وانما تجسيد لهوية الجميع. 

أخطر ما في هذا النوع من الإلغاء هو أنه يشيع شعوراً بالفوضى ويُضعف الولاء الوطني لحساب نزعات شخصية أو فئوية. 

والمؤسف أن بعض من يمارسونه ينطلقون من موقع التأثير الإعلامي أو الرسمي فيُضاعفون أثر الإساءة.

من حق الجميع أن ينتقدوا لكن من واجب الجميع أيضاً أن يصونوا صورة الدولة وهيبتها واحترام رموزها كجزء من هويتنا. 

فبعض الكلمات تَسقط سريعاً لكنها تترك ندوباً طويلة في الوعي العام. والدولة ـ حتى حين تُخطئ ـ تبقى بيتًا مشتركاً، لا يُقوّم بهدم أعمدته.

أقرأ أيضا