صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

التغطية الإعلامية للعنف ضد المرأة بين إعادة إنتاج الثقافة المسببة وبناء خطاب بديل؟

 

“إن الحبر الذي يُكتب التاريخ به هو مجرد تحيز مائع”

 مارك توين

ما يكتب وما ينشر اليوم في جريدة هنا وموقع هناك سيكون جزءا من التاريخ وتمهيدأ لما سيحدث غدا، والشاغلين في الإعلام في بلادنا، شاؤوا أو لا ينتمون، وإن بنسب متفاوتة، لنظام متحيز جندريا وتتسم علاقات السلطة والقوة فيه بالتفاوت.

 

ويتابع القراء أخبار العنف الممارس ضد المرأة في الاعلام من قتل واغتصاب وجرائم الشرف وغيرها كأخبارٍ متفرقة أو تحت بوابة الأمن والقضاء كأيّ جرائم أخرى، في حين أنها جرائم ممنهجة تعبّر عن مجتمع مازالت الذكورية حاكمة فيه، ومسيطرة عليه.

 

وإذ يشكل الاعلام، بوسائله كافة (المكتوب المسموع، المرئي والإلكتروني )، منصّة لإطلاق الآراء والأفكار وتحديد المواقف، ويساهم في تشكيل الوعي حول القضايا المجتمعية المختلفة، فمن مهامه أيضًا توجيه الرأي العام، وللتغطيات الإعلامية أثر كبير في تكوين وعي المتلقي وفهمه لما يحصل حوله.

 

لنبدأ أولا بالتفكيك والبناء، فيقوم الإعلام أثناء عملية  بناء الرأي حول  قضية ما بإعادة بناء الواقع، إنّ هذا البناء يبدأ أولاً بأختيار عناصر الحدث وثانيًا بكيفية عرض هذه القضية من أبسط عناصرها إلى أكثرها تعقيداً، وفي قضايا شائكة كالجرائم المبنية على النوع الإجتماعي، لا تقوم الرواية الإعلامية بمهمة نقل الخبر وحسب، بل من واجبها إدانة العنف، لان السكوت عنه عنفٌ مضاعف.

 

ولكن قد يقع الإعلام أثناء تغطيته لها في فخ السعي  وراء زيادة عدد المتلقين سواء كانوا قراءً أو مشاهدين أو مستمعين، ومن المعروف أن الجرائم والعنف مادة مغرية للقراء، وبذلك يكون قد تجاهل مسؤولية التوعية المترتبة عليه لأفراد المجتمع.

 

واذا تباعنا الصورة العامة لصياغة الخطابات الإعلامية في مجتمعاتنا العربية أثناء طرح حوادث العنف ضد المرأة، نجد أنفسنا أمام تساؤلات عديدة : هل تعيد التغطيات الإعلامية إنتاج الثقافة المسببة للعنف ضد النساء؟ وماهي الأخلاقيات والمعاييرالتي يجب أن يتحلى بها الإعلام تجاه الضحية/ الناجية وذويها؟.

 

فيما يتعلق بالضوابط، حددت رابطة الصحفيين المحترفين AJP عدد من المعايير التي على الصحافيين إعتمادها أثناء تغطيتهم لأخبار العنف ضد المرأة. ويمكن تلخيصها كالآتي: التعامل مع قضايا العنف ضد المرأة كمشكلة خطيرة في مجتمعنا لا كأخبار متفرقة، الاختيار الحذر للمفردات والمصطلحات  والصور فالمفردات المستخدمة في الحديث عن قضايا العنف ضد المرأة ليست محايدة، فبعض الكلمات قد تسخّف العنف، عدم تبرير الجريمة المرأة ليست مسؤولة عن العنف الذي تتعرض له، وبالتالي الاساءة الى ضحية العنف من جديد، احترام خصوصية الضحايا ومعاناتهم وكرامتهم.

 

وفي متابعة لما ينشر نرى أن هناك اتجاه عام في الاعلام العراقي، مع وجود استثناءات، أثناء تغطيته للجرائم القائمة على النوع الاجتماعي يتمثل بالتركيز بشكل  أساسي على سرد تفاصيل الجريمة وتقديمه على أنه قصة بوليسية وذلك من خلال التركيز على الحادثة نفسها دون العمد الى تحويلها الى نقطة انطلاق لتشكيل رأي عام حول العنف ضد المرأة، هذا فضلا عن إعادة توظيف السياقات الاجتماعية التي أدت الى الجريمة في المقالات كتبرير الجريمة والبحث في خصوصية الضحية. ولكن لا يمكن الجزم ماهية الخطاب الاعلامي الا أنه بالحد الأدنى مازال متأخراً هذا الشأن.

أقرأ أيضا