صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

التغيير السياسي بين الخيار السلمي والعنف

في مواجهة سلطات تحكم ضد إرادة شعبها يكثر الحديث عن ضرورة استخدام العنف والقوة لتغيير تلك السلطات بسبب استنفاذ الوسائل السلمية او عدم جدواها وهو أمر لا مناص منه في كثير من الحالات لكن إتباع أي من المنهجين العنفي أو السلمي لايخضع دائما للمنطق وحسن تقدير مصلحة الشعب إذ يتعلق ذلك بعوامل متعدده مثل طبيعة النظام وقوة وحجم المصالح التي يمثلها والاوضاع العامه للبلد وطبيعة وإمكانات القوة السياسية المتصدية لخيار التغيير والوضع الإقليمي والدولي الذي في بعض الحالات يحدد بدرجه كبيره من خيار العنف وحتى خيار التغيير ذاته وأخيرا العقيده التي تتبناها تلك القوة..العنف الذي يلجأ اليه بسبب إنعدام الخيارات الأخرى يحقق تغييرا سريعا يختصر الزمن والمعاناة.

في هذه المقاله نحاول توضيح مزايا الخيار السلمي ومخاطر خيار العنف عندما لايكون الإختيار بينهما محكوما بمنطق علمي مع إننا نؤكد أن خيار العنف في حالات معينه يكون لابد منه ولايمكن إستبعاده.

هناك نظريات سياسية لا ترى مجالا لأي طريق سلمي لتغيير نظام سياسي تراه مستغلا ومضطهدا للشعب والنظرية الماركسيه تقف على رأس  تلك النظريات حيث تعتمد الصراع الطبقي أساسا للعلاقه بين نظام وسلطه تمثل القوى المستغله للعمال وبين الشعب والعمال بشكل أساسي ولاترى طريقا لحسم هذا الصراع إلا باستخدام العنف والقوة بل تذهب هذه النظريه لضرورة وحتمية قيام دكتاتورية طبقية للحفاظ على النظام الثوري ألذي ينشأ بعد القضاء على النظام..

إن استخدام العنف بمعنى من المعاني هو محاوله لتجاوز السياق الطبيعي لتطورالاشياء والوصول لنتائج معينه في وقت قصير،وحيث أن القوة أو القوى التي تستخدم العنف للوصول للسلطه وإحداث التغييرالسياسي المطلوب لا تمثل أغلبية المجتمع ولا تتوفر في الغالب على كفاءات مناسبه وكافيه لإدارة الدوله فإنها وكما في تجارب عديده تلجأ للإستعانه بالموالين لها لشغر مناصب مهمة وحساسة بعضهم لايملكون الكفاءة المناسبه لها وهو مايؤدي لسوء في الاداره  ينتج فساد ثم فشلا لمحاولة التغيير ويرتد على الافكار ذاتها،كما أن عدم نضوج المجتمع بشكل يتلائم مع مشروع التغيير وهو مايحتاج وقت وظروف لا يحتملها المشروع الذي كان من أهدافها تحقيق تغيير خارج السياق الطبيعى طويل الامد سيؤدي لمزيد من الاجراءات الإستثنائية الي تؤدي في النهاية إلى تركز في السلطه وتضييق القاعده الشعبيه للنظام الجديد ما يفتح الباب لتكون معارضه ليس من أعداء النظام فقط ولكن من اولئك الذين جاء النظام ليمثلهم..

إن التغيير السلمي صعب جدا وطويل ويحتاج إجادة أساليب متنوعه من النضال لكن الوصول للسلطة عن طريقه يعني انتصارا وتغييرا  نهائيا لان التغيير السلمي لا يكتمل ويحصل إلا بعد أن يمر الكادر البشري لقوة التغيير السياسي بتجربه طويله من الممارسات السياسية والتنظيميه تؤهله في النهايه لإدارة الدوله وتنفيذ عملية التغيير إضافه إلى أن الوصول للسلطه عن طريق الخيار السلمي الذي يكون بالضرورة طويل الامد سوف يهيء كامل المجتمع لهذا التغيير ويوفر الاجواء والبيئة المناسبه لتقبل الوضع الجديد وقراراته، وهذا بخلاف الوصول للسلطه عن طريق العنف حيث تواجه السلطه الجديدة عدا عداء القوى المتضررة من التغيير  عدم تفهم جزء من أصحاب المصلحه في التغيير وأحيانا عدائهم مما يصعب مهمة السلطه الجديدة التي ستعمل في بيئه عدائيه..

إننا هنا لا ندعي أن الخيار السلمي متاح  ويمكن اللجوء اليه كخيار دائم كما أننا لا ندعو للإستسلام للسلطات التي تستخدم العنف والقسوه سياسة للدفاع عن مصالح فئات في المجتمع ضد الأغلبيه في ظل إمكانية التغيير بالوسائل العنفيه بوجود ميزان قوة يتيح ذلك..

إننا نطرح هذا الموضوع في هذا الوقت بالذات ردا على أصوات تتعالى بأن لا سبيل للتغيير إلا بالعنف وإن الاحتجاجات كانت ذات كلفه عاليه وبنتائج متواضعه،إن الخيار السلمي لم يستنفذ بعد وليس صحيحا وجود أي خيار عنفي يؤدي للتغيير في الظروف الحاليه حيث ميزان القوى مختل لمصلحة قوى النظام السياسي مما يجعل خيار العنف طريقا للموت والفشل كما أنه ليس صحيحا فشل الإحتجاجات في تحقيق شيء بل هي حققت إضعافا للنظام وتعرية له ولدعاواه في تمثيله للشيعه وتضاؤلا في شرعيته،وإستعادة وإن غير كامله للهوية العراقيه لكن عدم وجود كيان سياسي يؤطر العمل الشعبي لم يمكن من الإستفاده من الوضع الذي خلقته الإحتجاجات والذي لو كان موجودا لحقق مكاسب سياسيه ستكون قاعده يبنى عليها الحراك الشعبي اللاحق من أجل التغيير السياسي الشامل.

أقرأ أيضا