صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

التمييز العنصري جوهر آلية القبول في الدراسات العليا

القبول في الدراسات العليا (دبلوم, ماجستير, دكتوراه) يتم الوصول اليه عبر قنوات متعددة جميعها ماعدا النفقة العامة غير مبررة، ولا تنسجم مع فكرة التعليم العالي الذي يتطلب وصول العناصر الكفوؤة، لكي تتولى العمل التدريسي وهو الجانب الاقل اهمية كهدف للتعليم العالي او كتابة الابحاث والمساعدة على حل المشكلات المختلفة التي تواجه العلم والمجتمع كهدف اسمى له وهذه القنوات بعضها بني على اساس المال واخرى على اساس الصفة واخرى على اساس الحالة الصحية واخرى على اساس القرابة.

إن تقسيم القبول هذا لم يكن موجودا في السابق، فقد كان القبول على النفقة العامة فقط، اما التقسيم على اساس النفقة العامة واخر على النفقة الخاصة فهو تمييز عنصري على اساس المال، فالشخص الغني الذي يمتلك ما يقارب الخمسة ملايين دينار او عشرة، والذي حصل على معدل درجات متدن خلال السنوات الاربعة الماضية التي قضاها لدراسة البكالوريوس او الماجستير ودرجة امتحان تنافسي متدنية نسبيا يستطيع ان يحصل على شهادة عليا بفضل ماله ويتساوى كتدريسي وكباحث مع من حصل عليها بتفوق وجد ويتفوق على من لم يحصل عليها اصلا بسبب عدم امتلاكه المال الكافي.

إن الغريب هو ما ظهر بعد عام 2003 وبشكل تدريجي حيث ظهرت قنوات اخرى متمثلة بقناة ذوي الشهداء، حيث يحصل على مقعد دراسي كل من كان لديه قريب من درجة معينة (الوالدان, الاولاد, الزوج والزوجات وان كانوا غير عراقيين, الاخوة والاخوات, اولاد الابن واولاد البنت)، قد سقط شهيدا بسبب العمليات الارهابية او العسكرية التي حدثت وتحدث في العراق كطريقة لتعويض الاهالي وهذا الامتياز لا يمكن ان يدخل في حيز التعويض المعروف في كل العالم فالتعويض، اما عيني او نقدي والامتيازات التي تعطى يجب ان لا تكون على حساب التعليم ووصول نماذج من الطلاب متدني المستوى، وليس لديهم ميزة سوى سقوط احد اقاربهم شهيدا، ويكون حصولهم على المقعد الدراسي على حساب من هم اكفأ منهم واجدر.

وعند استحداث مؤسسة السجناء السياسيين تم استحصال امتياز لكل سجين سبق وان تم اعتباره سجينا سياسيا وفق قانون مؤسسة السجناء السياسيين وهم اعداد هائلة تصور لنا ان الشعب العراقي اغلبه سجن لدواع سياسية من قبل النظام البائد بسبب التحايل على القانون وفساد المؤسسات المعنية، حيث حصل كل سجين على امتياز الحصول على مقعد في الدراسات العليا بسبب تلك الصفة، وهذا تمييز عنصري لاشك لنفس السبب، وهو ان السجين من الممكن اعتباره مضحيا في سبيل بلده وحريته، لكن من الناحية العلمية هو غير مؤهل للحصول على شهادة عليا يتساوى فيها مع غيره ممن يتميزون بتفوقهم وعلميتهم.

لم تكتف وزارة التعليم العالي عند هذا الحد، بل استحدثت قناة تخص ذوي الاحتياجات الخاصة او ذوي الاعاقة امتثالا الى قانون ذوي الاحتياجات الخاصة الذي صدر مؤخرا والذي يوجب اعطاءهم الفرص في كل المجالات وهنا ندخل في موضوع نادر التكلم فيه بسبب حساسيته، ولكن من منطلق التعليم اولا يجب الخوض فيه ومن منطلق ان ذوي الاعاقة يظلون يناضلون طوال حياتهم من اجل اثبات فكرة مفادها ان المعاق لا قصور في عقله او ادراكه او فهمه يجعله بمنزلة اقل من اقرانه، ولذلك يطالبون بالمعاملة السوية مع غيرهم وان لا قصور سوى في قدراتهم البدنية والتي بالضرورة لا تعتبر عائقا امام قدرتهم على التعلم، لكننا نتساءل: “اذا كان المعاق مساويا لغيره من حيث القدرة الذهنية لماذا يتم تمييزه عن غيره من الطلبة الاصحاء بدنيا؟

قد يعتقد البعض بأن استحداث مثل تلك القناة هو تمييز ايجابي لهم، وليس سلبيا، ولكن يرد عليه بأن اساس وجود فكرة التمييز الايجابي تقوم على وجود عدد من المعوقات غير الموضوعية التي تمنعه من ممارسة حقه القانوني، وهذا غير موجود في حالة ذوي الاعاقة، فلا يوجد سلطة ولا قانون يمنعهم من التقديم او المنافسة على مقاعد الدراسة العليا.

لم تكتف وزارة التعليم العالي باستحداث تلك القنوات واستحدثت قناة جديدة للمنافسة تأهل من لا يستحق للدراسات العليا على حساب غيره بسبب ظروف خاصة به وحتى لو كان حاصلا على معدل منخفض ودرجة امتحان تنافسي متدنية وهي قناة المتضررين التي تم انشاؤها امتثالا لقانون حماية المتضررين جراء العمليات العسكرية والارهابية الصادر عام 2015 وهنا قد ينطبق الضرر المادي او المعنوي على المتقدم على حد سواء، ناسين او متناسين ان الدراسات العليا ليست حاجة ملحة كالتعليم الاولي او الدراسة الجامعية الاولية التي تمكن صاحبها على العمل وشق طريقه، اضف الى ذلك انها قد تنطبق على الغالبية، وليس الاستثناء فهناك حالات لا تعد ولا تحصى تضررت من جراء العمليات العسكرية والارهاب طوال سنين ما بعد الاحتلال واذا طبقنا الضرر المعنوي مثلا سيندرج العراقيين جميعهم تحت لوائها.

 

ومع كل ما ذكر نحن لم نتكلم عن المنافسين على القناة العامة وهم خريجو الكليات الاهلية والتي يعتبر غالبيتها اما تجارية او دكاكين تمويل الاحزاب وابعد اهدافها هو التعليم وتظل طوال الاربع سنوات الجامعية تبذخ بالدرجات على طلابها لارضائهم باعتبارهم يتعلمون بأموالهم من جهة ومن اجل اثبات نجاحها علميا لكي تستقطب المزيد والمزيد من الطلاب مستقبلا وبعد كل هذا يأتي اولئك الطلبة لينافسوا طلاب الكليات الحكومية الذين يتذوقوا الامرين بالاضافة الى الظروف الدراسية السيئة في كلياتهم على مقاعد النفقة العامة التي بالضرورة يقل عددها بسبب وجود ذلك الكم من القنوات نسأل الباري عز وجل ان لا تستحدث وزارة التعليم العالي قناة خاصة بمن ينحدرون من نسل النبي محمد (ص) مستقبلا، ففي عراق ما بعد 2003 كل شيء وارد.

محامية وناشطة

أقرأ أيضا