صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

الحاج رمضان واحفاده وصندوق الانتخاب

كنت اتوقع ان يسألني جاري الحاج رمضان كعادته عن اخر ما يتعلق باخبار الاوضاع السياسية في العراق بعد أن سلمت عليه وأنا عائد من العمل مساء الى البيت قبل ثلاثة ايام، فقد تعودت ان أراهُ صباحا وانا ذاهب الى العمل ومساء عندما اعود ال البيت، ولم تكن السيكارة تفارق فمه وهو يجلس على عتبة باب داره يراقب احفاده وهم يلعبون مع اطفال الحي ما أن احيل قبل ستة اشهر الى التقاعد بعد خدمة دامت ثلاثة عقود ونيف في مديرية البلدية.

وقفت أمامه وأنا اصغي إليه وهو يبدي سخطه على ما تشهده المنطقة العربية من عنف وانهيارات أمنيّة، إلاّ انه وبشكل مفاجئ قطع حديثه هذا وكأنه تذكر شيئا مهما،ثم أخفض صوته قليلا وهو يسألني، كما لو انه يبوح لي بأمر مهم: بماذا تنصحنا، هل نشارك في الانتخابات القادمة ونُدلي باصواتنا أمْ نلتزم خيار المقاطعة طالما ان نتائجها محسومة مسبقا؟

بقيت افكر للحظات وانا لا أعرف بماذا اجيب.. لم تسعفني خبرتي التي تمتد لاكثر من سبعة عشرعاما في ميدان الصحافة والاعلام من التوصل الى رأي واقعي يقنعني أنا أولا قبل أن يُقنع الحاج رمضان.

بتقديري الشخصي يجد العراقيون هذه الايام أنفسهم في حيرة شديدة، كما هو حال الحاج رمضان، فما عادوا قادرين على ان يتخذوا قرارا واضحا حول الانتخابات المزمع اقامتها في منتصف مايو ايار 2018 فقناعتهم تكاد ان تكون راسخة حول فساد غالبية رموز النظام السياسي منذ العام 2003 وليس لديهم اية ثقة بامكانية ان يتعرض الفاسدون منهم للمساءلة القانونية من قبل القضاء لمعرفة مصير الاموال والثروات التي تم اهدارها خلال الاعوام الماضية، بل إن رموز الفساد مازالوا في مناصبهم الرسمية يمارسون عملهم في مؤسسات الدولة ويتحركون بين مدن العراق ويتلقون تأييدا ودعما  قبليا وطائفيا وحزبيا.

ربما يسأل البعض :

– اين وجه الصعوبة في موقف العراقيين  طالما لديهم الادلة التي تدين الفاسدين؟

– مالذي يمنعهم من العمل على احداث التغيير؟ 

– لماذا اصبحوا على هذا الحال من الخنوع؟

– لماذا بقاءهم تحت سلطة قوى تقليدية مثل رجال الدين وزعماء العشائر رغم مسؤولية هذه القوى في دعم  واستمرار رموز الفساد؟

الملاحظ ان جرائم الفساد يشترك فيها معظم الاحزاب الدينية وغير الدينية،أما بخصوص الاحزاب  التي كانت موجودة في صفوف القوى المعارضة للنظام السابق قبل العام 2003 فقد تنصلت جميعها عن مسارها الوطني الذي كانت تدّعيه واختار قادتها الخوض في مستنقع  الفساد حتى قمة رأسهم، فهل كان ماضيهم النضالي عبارة عن مشهد أوّل في مسرحية مفبركة عنوانها( المظلومية) وما ان وصلوا الى كرسي الحكم حتى اكتملت فصولها فاسدلوا عليها الستار ليبدوأ في استعادة شخصياتهم الواقعية بعد ان نزعوا عنهم ملابس الشخصيات المثالية التي كانوا يتقمصون ادوارها وهي تدافع  عن الحرية والكرامة والعدالة الانسانية ؟  

لا شك بان الفساد السياسي ليس مقتصرا على النظام القائم حاليا في العراق بل يكاد ان يكون موجودا في الكثير من دول العالم الثالث الاّ ان المقارنة إذا ما تمت لن تكون لصالح النظام في العراق، وعلى الارجح سيوضع في الترتيب الاول ضمن قائمة الانظمة الاكثر فسادا وهذا مااشارت اليه عديد التقارير الدولية خلال الاعوام الماضية، والغريب في الأمر ان موقف العراقيين قد اتسم بالعجز واللامبالاة ولم يتقدموا بخطوة حقيقية لمواجهته ،ويمكن القول بأن القفز فوق قضايا معقدة باتت تفتك بالمجتمع يكاد ان يكون قاسما مشتركا بين معظم العراقيين، وبحسب بيانات منظمة اليونسيف المعنية بالاسرة والطفولة لعام 2017هناك: (3) مليون عاطل عن العمل مع (3) مليون ارملة من سن (12) سنة فما فوق هذا الى جانب (6) مليون طفل يتيم تحت سن (17) سنة.

هذه الارقام جاءت نتيجة العنف والفوضى الامنية والحروب التي شهدتها البلاد خلال الاربعة عشر عاما الماضية وعلى الارجح ستترك اثارا عميقة وخطيرة في قادم الايام، ربما ستضع العراق امام موجة جديدة من العنف والتطرف اشد مما شهده خلال هذه السنوات.

لم يعد لدى العراقيين اي بارقة أمل  بامكانية حصول تغيير عبر صناديق الانتخاب من بعد ان شهدت جميع الدورات الانتخابية السابقة عمليات تزوير لأصوات الناخبين وبشكل فاضح مما قطع الطريق امام القوى والشخصيات التي راهنواعليها لاحداث التغيير وإدارة البلاد ، وكان من نتائج ذلك ان عادت نفس الوجوه المتورطة بالفساد الى ادارة السلطة مرة واخرى حتى انها تغولت بعد كل دورة انتخابية، وكلما تم الكشف عن مسؤول متورط بقضايا فساد والقي القبض عليه حتى يتم تبرئته والافراج عنه من قبل السلطة القضائية ، ولن تكون قضية الابن الاكبر لمحافظ النجف هي الاخيرة في المسلسل الفضائحي لتبرئة المسؤولين الحكوميين ومن له صلة قرابة بهم  بعد ان تم تبرئته من تهمة المتاجرة بالمخدرات رغم انه قد ضُبط متبلسا بالجرم المشهود في نهاية شهر يناير /كانون الثاني 2018 مع بقية افراد العصابة التي كان يتزعمها.

إن الديموقراطية المزيفة التي  اختلقها الاميركان في العراق انتجت نظاما طائفيا فاسدا ،لم يتورع اقطاب هذا النظام  المتاجرة بكل المحرمات من خلالها ، إبتداً بالدين ومرورا بالاغذية والادوية الفاسدة وانتهاء بالمخدرات.

إن الادلة التي تثبت بأن الانتخابات البرلمانية مجرد مسرحية هزيلة يقف خلفها رموز النظام القائم باتت في متناول اليد رغم انهم يبدون في سجالاتهم على شاشات الفضائيات وكأنهم في حالة سباق حقيقي لكسب اصوات الناخبين، إلاّ ان هذه البراقع لم تعد قادرة على ان تضلل عموم المواطنين وتخدعهم، إلاّ قلة قليلة مازالت تلهث ورائهم كما لوانها تتبع سراباً.

حتى الان ليس هناك مايشير الى وجود امل بامكانية التغيير ،أمّا بخصوص التظاهرات التي تشهدها بغداد كل يوم جمعة منذ مطلع العام  2011  فإنها لم تأت بأية نتيجة تذكر لصالح الحد من تمدد الفساد السياسي والاداري، بل ان هناك شبهات كثيرة تدور حول بعض العناصر التي تقودها، وابرز مايمكن ان يسجل على هذه العناصر انهم ليسوا جادين في احداث التغيير وربما يمارسون دورا مرسوما لهم لتظليل الجموع التي صدقت بشعاراتهم وحرصت على ان تمشي خلفهم.

على الارجح  سيكون العامل الطائفي الذي يلقي بظلاله على عموم المشهد السياسي  حجر عثرة ضد اية محاولة لتغيير بوصلته ،فمن غير الممكن  استبعاد هيمنة العامل الطائفي في تحديد مواقف واتجاهات القوى السياسية في العراق خاصة بعد العام 2003  حيث تضاعف تأثيره بشكل كبير ليصل  الى النخب الاكاديمية من اساتذة الجامعات مرورا بالوسط الادبي والفني، والامثلة على هذا الانحراف في الوعي والمواقف كثيرة في ما لو اردنا سردها.

انسداد الافق امام ألآليات الديموقراطية وعجزها عن احداث التغيير يطرح سؤالاً جوهريا قبل ان تبدأ العملية الانتخابية في شهر مايو ايار القادم: ما الحل للخروج من هذا النفق المظلم الذي يشعربه الحاج رمضان،هل بالذهاب الى مراكز الاقتراع والمشاركة بالتصويت، أم أن خيار المقاطعة هو الاجدى طالما ان النتائج محسومة بشكل مسبق لصالح  ذات الوجوه؟

بكل الاحوال جميع الاطراف تتحمل مسؤولية الاجابة على السؤال وفي مقدمتهم الحاج رمضان مع بقية افراد عائلته، لان لحظة الانهيار إذا ما جاءت فإن تداعياتها ستطال حتى مستقبل أحفاده.

أقرأ أيضا