صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

الحكومات “الديماغوجية”

هل يمكن للديمقراطية كاسلوب ووسيلة لاختيار الحكام أن تتحول من نعمة الى نقمة؟، الجواب كما تخبرنا تجارب العالم الناجحة والفاشلة: نعم، ففي الدول المتقدمة حيث استقرت وتطورت الديمقراطيات بوضعها الحالي لم تأت أنظمتها الرصينة بقرار جاهز، إنما جاءت آلياتها بالتدرج ونضجت بالتوازي مع وعي ونضج أفراد المجتمع.

في بريطانيا واميركا وفرنسا مهد الديمقراطيات في العالم لم يكن يسمح لحد وقت قريب لعامة الناس والأميين بحق الانتخاب بشكل مفتوح دون قيود، وإنما إشترطوا الأهلية والنصاب المالي ثم لاحقا الكفاءة الأدبية والعلمية، كشرط يؤهل المواطن في تقدير خطورة الإدلاء بصوته والتحكم من خلال ذلك بشكل ونوع من سيحكم البلاد ويتحكم بمقدرات البشر والحجر ومستقبل الاجيال.

عندما يكون عامة الناس في مجتمع ما ، من الأميين والجهلة سيكون ذلك عند إجراء أية إنتخابات بمثابة مصيبة وكارثة قد حل بهذا المجتمع ، لان هؤلاء في حالة كانوا يمثلون الاكثرية في بلد ما ، سيعكسون وينتجون نمطا من الحكم ليس بالمستوى المطلوب ، اولا : لعدم تقديرهم خطورة اصواتهم نتيجة قلة وعيهم وتحكم مزاجاتهم وأهوائهم وعصبياتهم القبلية والمذهبية بقراراتهم وكيفية إختياراتهم، لذلك في المجتمعات قيد النمو والتي فيها نسبة كبيرة من التخلف يعتبر الاقتراع العام بحجة الديمقراطية بمثابة خدعة وعملية إنتحار مستمرة يتسلق من خلالها ويتسيد حكام جهلة وفاسدين يعتاشون على جيوش الجهلة والاميين.. التكيف القانوني للانتخاب ، ثلاث انواع اما ان يكون الانتخاب “حق شخصي يقوم على مبدا سيادة الشعب”  ويعتمد الاقتؤاع العام ، او ثانيا: الانتخاب “واجب ووظيفة يقوم على مبدا سيادة الأمة”، وفيها يكون الاقتراع مقيدا بشروط تضمن مصلحة الامة بعيدا عن مصالح الافراد وبالتالي بناء على هذه المصلحة يتم تحديد حجم وشروط الشريحة المؤهلة لممارسة حق الانتخاب ، وهناك نوع ثالث من الانتخاب وهو “المقنن” بحيث يتم ضمان نوع من التوازن بين مصلحة الافراد وبين مصلحة المجتمع.

إن تشديد القيود والشروط من خلال تشريعات على كل من الناخبين والمرشحين قد يحسن من شروط الديمقراطية في بلدان تعاني من التخلف والامية وتدفع بعملية الانتخاب باتجاه شريحة الطبقة الوسطى المؤهلة نتيجة وعيها المتقدم وخصائصها في ممارسة العملية الديمقراطية لحين تطور وعي وتقدم ونضج المجتمع ككل. عندما يمارس الانتخاب او المرشح الديمقراطية بلا شك ستكون اكثر مصداقية وجدوى وفائدة وقد تحول دون  إنتاج حكومات ديماغوجية وتحول الديمقراطية من “نعمة الى نقمة”.

* الديماغوجية: كما يصفها أرسطو  في تصنيفه لانماط الحكومات

أقرأ أيضا