صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

الخيار الآخر

توجد فكرة سائدة أن الأنظمة السياسية التي لا تمثل شعوبها بشكل حقيقي لا تتغير إلا بالعنف والقوة وهو أمر تؤكده وقائع ميدانية كثيرة ومنطق الحياة وهو ما تم التعبير عنه في نظريات سياسية عالمية تبنت التغيير بالعنف أساسا لجهودها في تأسيس نظام بديل يقوم على مبادىء جديدة..لقد فشلت محاولات مخلصة ومسؤولة ودؤوبة من أجل التغيير السلمي في بلادنا ووجهت دائما بالإهمال والتعنت بل والقمع ما أدى لتراجع الإيمان بإمكانية الحلول السلمية وسيادة الخيار الآخر ألذي جر على البلاد ويلات لا زلنا نعاني من تداعياتها وسنظل لوقت غير معلوم.

الآن نحن أمام مهمة كبرى ومعقدة  تتلخص في تحديد أساليب وأدوات تغيير النظام الحالي ألذي إنتهت مبررات وجوده وشرعيته العملية أو ما يعرف بشرعية الإنجاز فهذه المهمة تواجه أولا مشكلة عدم وجود جسم أو كيان سياسي يمثل رغبة الغالبية في إنهاء هذه الحقبة المريرة من حكم الإسلاميين أما ثانيا فهي عدم إستعداد النظام السياسي لتقديم تنازلات حقيقية بل وعدم مقدرته على ذلك وهو امر خطير في معانيه وتداعياته لأنه يقود الأمور لحافة الهاوية ويقود تدريجيا لمرحلة من العنف المفتوح،وثالثا وصول نسبة مهمة من العراقيين المعارضين للنظام من الشبيبة العراقية إلى قناعة بإستحالة الحل السلمي وهي قناعة عززتها القسوة والعنف المفرط ضد المحتجين الشباب في إنتفاضة تشرين.

إن هذه المقالة موجهة ليس فقط للأحزاب الحاكمة لتحذيرها من عواقب إستخدام العنف ليس فقط على البلاد ومستقبلها وإنما عليهم ككيانات وأفراد لئلا يمضوا خلف إغراء القوة..هذا الإغراء الذي يتصوره الحاكم في لحظة ما حلا لابد منه لمعالجة ماإستعصى عليه لكنه في أمد قد يكون قريبا يأتي بنتائج كارثية يمكن تفاديها بالحكمة والتنازلات الممكنه والمعقولة، لكن أيضا أوجهه لكل الأفراد والكيانات المعارضة الطامحة لتغيير جوهري في نظام الحكم ينهي معاناة الاغلبية الساحقة من العراقيين ويعيد للبلد قراره وإستقلاله وكرامته.

إن العنف والقوة قد تصبح خيارا لا بديل له في معظم الحالات التي يحكم فيها نظام سياسي يمثل فئة إجتماعية وصلت للسلطة بطريقة غير شرعية أو باقية في السلطة بتلك الأساليب،أو تمثل مصالح غير مشروعة،لكن لإنتقال السلطة بالوسائل غير السلمية مشاكله ومخاطره التي يجب التنبه لها من غير أن يعني ذلك إستبعاد خيار ذلك الإنتقال.

الإنتقال السلمي المتدرج حتى وإن تطلب وقتا طويلا أفضل من الخيار الآخر حتى وإن كان سريعا وحقق الأهداف السياسية بشكل مباشر ففي الإنتقال السلمي المتدرج تتهيأ قوى التغيير سياسيا ولوجستيا وبشريا بشكل أفضل من الإنتقال غير السلمي حيث لا يسمح الإنتقال غير السلمي والسريع بتهيئة سياسية مناسبة ولا بتهيئة الكادر اللازم لقيادة البلد ولا بعملية تأهيل ضرورة للمؤسسات..إننا نتحدث هنا مفترضين وجود كيان سياسي معارض حيث بدونه لا يمكن الحديث عن أي تغيير سلمي أو غيره وقد كتبت عن أهمية التنظيم أكثر من مرة..في التغيير السلمي يتأهل التنظيم أو الكيان المعارض من خلال الممارسة السياسي ليصبح مؤهلا لإدارة سياسية للدولة ويتأهل أفراده ليكونوا بديلا للإدارة السابقة في حين أن التغيير غير السلمي يكون سريعا ولا يسمح بتكون كادر مؤهل لإدارة الحكم وهذا ماحدث في تجارب عالمية عديدة حيث يؤدي ذلك لفشل الكيان المعارض في إدارة الدولة أو بالإرتداد على أفكاره بعد فتره من خلال ممارسات كوادره ألتي لم تحصل على الخبرة اللازمة وحتى الإيمان الكامل.

أقرأ أيضا