تطفح وسائل التواصل الاجتماعي بتسجيلات فيديوية لرئيس النظام السابق وكأنه يخوض حملة إنتخابية، ويعود تاريخ بعض التسجيلات الى أكثر من 40 عاما لكنها خضعت لمعالجات فنية جعلتها تظهر بشكل جيد جدا، كما إن العدد الكبير للتسجيلات وتعدد الصفحات والحسابات التي تنشرها تؤكد وجود جهد منظم لنشر وتسويق هذه التسجيلات المنتقاة من إرشيف كبير تم إستبعاد كل ما هو خاطئ وبشع ومؤلم منه في مقابل إختيار مواقف وحالات تسوق صورة محددة عن صدام ونظامه.
السياق الأساسي الذي تدور حوله التسجيلات هو إظاهر نظام قوي وزعيم صلب ومرح وأنيق في نفس الوقت ووضعه في مقارنة مع السياسيين الحاليين والوضع الراهن عراقيا وعربيا، ورغم إنتهاء عصر الساسة الكارزميين في كل العالم لكن خيبات الأمل والظروف السيئة تدفع أجيالا جديدة للبحث عن هذا النوع من الحكام فوفقا للتصور الشعبوي، حتى لو لم يحققوا منجزات وإرتكبوا أخطاء كارثية فإنهم سينفذون إنتقاما عاما ممن يعتبرهم الشارع الشعبوي سيئين ويستعيدون وهم الدولة القوية في الاعمال الفنية التعبوية حتى لو كانت الدولة تتعرض للقصف يوميا وطائراتها محرومة من التحليق في سمائها وثلث أرضها تقريبا خارج سيطرتها ومحمية دوليا ورئيسها ممنوع من حضور أي محفل دولي كما كان حال العراق قبل 2003، كل هذه الوقائع يتم إهمالها في التسجيلات وفي الرأي العام الشعبوي وتبقى الصورة المزيفة سهلة التداول.
حرب الدعاية الجديدة لا تهدف للتعبير عن الوفاء لنظام سابق ولا إحياء ذكرى صدام إنما تهدف الى التمهيد لجيل جديد من الساسة لا تشملهم قوانين الاستبعاد من العمل السياسي من عوائل قادة النظام السابق وكذلك بينهم خصوم لذلك النظام لكن ليس لديهم منجز أو مشروع غير الانتساب لإرث مزيف يبدو جذابا لجيل جديد من الناخبين يعيشون وضعا سيئا ويتعاملون مع زعامات غير جذابة وملطخة بالفساد والفشل والضعف.
الجيل الجديد من الصداميين لن يستخدم الدعاية المباشرة وغالبا لن يحتاج الى دعاية غير الكشف عن امتداده العائلي او العاطفي وهذا سيكفي لجذب الناخبين ولن تكون هناك منافسة قوية من القوى الغارقة في الفساد والتخادم السياسي حتى مع البعثيين السابقين في دول الجوار، قوى هي نفسها تقوم بالدعاية لنظام صدام بلا وعي عبر استخدام أساليبه ولغته الاعلامية في تسويق رجالاتها وإستهداف خصومها.
الدعاية الحالية لنظام صدام رخيصة وتتعامل بآليات التجهيل التي تسمح بتناسي ان النظام سقط قبل 20 عاما وإن رئيسه وأعمدته اعدموا او ماتوا بالشيخوخة، وان كل الانظمة التي على شاكلة نظام صدام خرجت من الخدمة في كل انحاء العالم، وادعياء الارث ليسوا حلا لأي مشكلة، لكن خطر هذه الدعاية ليس هينا أيضا.