ليس من قبيل المبالغة القول، أن الوعي بالسلطة للحاكمين لدينا هو وعي تذويتي، يتمركز نحو الانا ولذلك نراه يأخذ طابعا استبداديا، بما يفرضه من امتلاك السلطة ثم الإقصاء ومحاولة فرض نمط من السلوك السياسي بصبغة واحدة لغرض تحجيم التنافس على السلطة. هذه الأنوية تجدها لدى الإسلاميين والعلمانيين على حد سواء، إذ لطالما ارتويا من منبع واحد وثقافة واحدة هي الثقافة الشرقية، حيث امتلاك الحقيقة واحتكارها ونبذ الآخر وإقصاءه وعدم تقبل فكرة الاختلاف ورفض المختلف عنا.
هذا الشكل المرضى من الوعي بالسلطة يعد أحد أهم العوامل المهددة للديمقراطية، إن لم يك أحد العوامل الرئيسة في استيطان المرحلة الانتقالية وتعثر أي تجربة ديمقراطية .
ولاشك أن السنوات الفائتة من حكم الطبقة السياسية العراقية الحالية، عملت على تراكم الحقد المجتمعي إزاءها وتعميق حساسية الانفجار عنده، لكن في الوقت نفسه لم يتولد في داخل المجتمع حساسية فكرية للتغيير، لذلك كان حراك تشرين عبارة عن انفجار من الداخل المجتمعي للخارج السلطوي. من دون أن تتحرك بقعة الاشتعال لأبعد من الغضب، مما أدى لتوليد فوضى ولم يولد تغييرا، الأمر الذي مكن الانتهازيين من السيطرة عليه والاستثمار فيه، ونحن نعلم جيدا أن هؤلاء الاننهازيين كانوا أقرب إلى السلطة منه إلى ثوار حراك تشرين وأنهم ركبوا هذا الاتجاه واستطاعوا نتيجة عوامل مركبة من الاستحواذ على حراك تشرين ثم الانقلاب عليه لاحقا. وفي هذا نتيجة طبيعية للاحتقان الداخلي الفارغ لمضمون التغيير.
والسؤال المطروح اليوم، ما الذي تولده هذه اللحظة.. والجواب هو النكوص والشك في القدرة على التغيير، بل والشك في الحراك الثوري نفسه وجدواه في مجتمع منمط سلفا بأنماط جاهزة مسبقا، وهذا يدفعنا إلى أن نطالب الشباب بتحديد البوصلة وأن يفصلوا بما يمكن التعامل معه وما لا يمكن وأن يحددوا ما هم عليه، وبما لم يرغبوا أن يكونوا عليه.
لذا فالتعويل المتجدد يقع على أبناء الوعي بأهمية مواجهة السلطة وفجورها وفسادها، بما يحملون من إصرار على مقاومة هذه السلطة بإستمرار رغم كل الجور والتجاهل والتعتيم الاعلامي.
كثير من المجتمعات عاشت تلك اللحظة الراهنة من السواد المقيت، ولكن الإصرار في بث الوعي حول تلك القضايا والحديث الطويل عنها، يمكننا من تجاوز الآن وصناعة مستقبل جديد، وأن الصراع هو صراع أجيال مستمر من مدخل اختلاف الوعي بين كلا الجيلين المصنوع من اختلاف وعي الزمنين، والمستقبل لمن يصر على تملك أدوات الوعي في انتزاع حقه الكامل.