صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

السياحة نهر من ذهب

تعرض العراق بعد العام 2003 للاهمال الكبير كجزء من نتائج الحرب الامريكية وحلفائها وماخلفته تلك الحرب من دمار شامل للبنى التحتية وما تبعه من اعمال سلب ونهب وتخريب منظمة ومن ثم اندلاع الحرب الطائفية التي اجهزت على ما تبقى من موارد البلد البشرية والاقتصادية وتسببت في مقتل عشرات الالاف وهجرة وتهجير الملايين داخل وخارج البلد ومارافقه من استنزاف ميزانية البلد بسب تلك الحروب والصراعات والفساد.

وقد تأثرت كل قطاعات البلد بتلك الحرب وتبعاتها ومنها الزراعة والصناعة والخدمات مما جعل العراق بلدا مستوردا لابسط متطلبات الحياة بعدما كان بلدا زراعيا مكتفيا ذاتيا وصناعيا متميزا في المنطقة ومن ثم شمل الاهمال قطاع السياحة الذي يعد الاهم من بين كل القطاعات الاخرى بل أهم حتى من النفط الذي يعد المصدر الاساسي الاول لاقتصاد العراق، فالسياحة نفط دائم لا ينضب والعراق يعد الاول في العالم بتنوعه السياحي وانتشار المراف ئ السياحية من شماله حتى جنوبه ومن شرقه حتى غربه، فمن حيث السياحة الاثرية والتاريخية فالعراق صاحب اقدم حضارات مدنية عرفها التاريخ من بابل واشور وأور وسومر وغيرها، أما دينيا فهو الاعرق في التاريخ الديني فالعراق يضم في ارضه اقدم المعابد والمراقد والكنائس والاضرحة منذ قيام الديانة اليهودية حتى عصور الاسلام المتقدمة، ففي العراق اضرحة لأهم انبياء بني اسرائيل كضريح النبي ذي الكفل بين بابل والنجف وضريح النبي العزير في محافظة العمارة جنوب العراق وهناك اثار يهودية عريقة كقصر دانيال في عين التمر، إضافة الى بقايا معابد اليهود التي تنتشر في مدن عراقية عدة وفيه اقدم مناطق تواجد اول الاديان وهو الدين الصابئي المندائي على ضفاف نهري دجلة والفرات في وسط وجنوب العراق وفيه اقدم الاديرة المسيحية في التاريخ والتي تنتشر في صحراء كربلاء وفي الحيرة قرب النجف وفيه الكثير من اضرحة الانبياء كضريح النبي شيت والنبي يونس في الموصل والنبي ادريس ع في صحراء الرحالية غرب كربلاء وفيه مقامات الاولياء الصالحين كمقام الخضر ع على ضفاف نهر دجلة في بغداد، اما الحضارة الاسلامية، فيعد العراق الاول في العالم في قدسيته بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة حيث يضم الاجساد الطاهرة لأشرف البشر من أئمة ال البيت ع وذريتهم في النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء والحلة ويضم اجساد العديد من أئمة وفقهاء الاسلام التابعين وبعدهم كالامام ابي حنيفة النعمان والشيخ عبد القادر الكيلاني وشيوخ الصوفية مثل الشيخ عمر السهروردي والشيخ معروف الكرخي والجنيد البغدادي رض جميعا وغيرهم وفيه بغداد والكوفة وواسط والانبار وجميعها كانت يوما ما عواصم للخلافة الاسلامية في أوج عظمتها، ناهيك عن المناطق السياحية التاريخية والقصور والمساجد الاسلامية الشاخصة حتى يومنا هذا والمنتشرة في بغداد والمدن الاخرى.

اما المشاهد الطبيعية فلا تعد ولا تحصى وتنتشر من جنوبه حتى شماله ومن شرقه حتى غربه، ففي جنوب العراق تنتشر الاهوار الفريدة في كائناتها الحيوانية والنباتية وفي طريقة عيش سكانها منذ الاف السنين. وهناك الانهار والبحيرات الطبيعية والبساتين العامرة والجبال والشلالات الطبيعية والمراف ئ الواقعة على السدود والمصبات المائية والعيون الكبريتية والينابيع والابار الارتوازية، حتى صحاريه فهي الاخرى تعد قبلة لهواة الصيد ومحبيه لما تحويه تلك الصحارى من واحات طبيعية وتواجد اشهر واغلى انواع الطيور الجارحة في العالم.

ان السياحة هي الشريان النابض الذي يمنح الحياة للدول ولا تستطيع الدول التي تفتقر لمقومات السياحة ان تستقر اقتصاديا وتحيا حياة مرفهة، فمعظم الاقتصادات القوية في الدول المتقدمة ترتكز في قوتها على عائدات السياحة، فقد بين تقرير اقتصادي عالمي عن واردات اوربا من السياحة عام 2018 انها وصلت الى 400 مليار يورو، كان نصيب اسبانيا منها 65 مليار يورو وفرنسا 60 مليار يورو وايطاليا 55 مليار يورو والمانيا 50 مليار يورو وتوزع الباقي بين دول اوربا الاخرى بينما كانت واردات الولايات المتحدة من السياحة حوالي 175 مليار دولار!!

وهذه الارقام قد لا تكون دقيقة مئة بالمئة لانها تعتمد على بيانات البنوك وتقاريرها المعتمدة على استخدام بطاقات الائتمان المصرفية والشيكات والتحويلات اذا ما قورنت بما يصرفه السائح من نقد قد لا يمكن حصره بدقة… اما العراق فانه يعد من اكثر دول المنطقة جذبا للسياح وقد دخل اراضيه في العام 2018 حوالي 7 مليون زائر من الخارج فقط لزيارة العتبات المقدسة معظمهم من ايران وباكستان والهند وامريكا وبريطانيا ودول الخليج العربي وسوريا ولبنان وافريقيا وغيرها عدا الملايين من الزائرين المتوجهين لزيارة العتبات المقدسة من داخل العراق ومن العراقيين المقيمين في الخارج لكن للاسف لم يستفد البلد من هذا القطاع استفادة مثلى بسبب عدم وجود تخطيط منظم من قبل الدولة من جهة ومن جهة ثانية فرض ضرائب ورسوم عالية جدا على الخدمات المقدمة للفنادق من ماء وكهرباء مقارنة باسعار سكن متدنية جدا لا تضاهيها اسوء فنادق افريقيا حيث وصل سعر الغرفة في فندق ثلاث نجوم في قلب مدينة كربلاء مع وجبة طعام وحمام خاص الى 4 دولارات في اليوم!! في الوقت الذي يصل فيه سعر السرير في غرفة مكونة من عشرة اسرة في اسوء فنادق ضواحي باريس بحمامات مشتركة وبدون طعام الى 25 يورو لليلة الواحدة.

ان السياحة في العراق تستغيث في الوقت الذي يتربع البلد على أندر وأقدس وأعرق المناطق الدينية والاثرية والطبيعية دون الاستفادة منها ما سبب تدهور اقتصاد العراق الريعي لاعتماده على النفط حصر والكل يعلم ان النفط مصدر ناضب سينتهي في غضون العقدين او الثلاثة عقود القادمة في حين تبقى السياحة خالدة ولاتبور.. ومن هنا كان لزاما على الحكومة ان كانت تريد ان تسجل منجزا يحسب لها أن تلتفت بشكل خاص للسياحة وأن تهتم بالمقترحات التالية:

1- تشجيع الاستثمار السياحي بكل تفاصيله ودعم المشاريع السياحية بكل انواع الدعم

2- اعفاء المشاريع السياحية كالفنادق وغيرها من الضرائب للسنوات الثلاثة القادمة لتشجيع تقديم افضل الخدمات باسعار تنافسية خصوصا وان الحروب ضد الارهاب والكساد في السنوات الماضية سببت خسائر فادحة لهذا القطاع.

3- تنظيم الضرائب على الفنادق باستخدام ميزان الضريبة مقابل الوارد الفعلي ومن ثم تقدير الضرائب لكل ثلاث سنوات اعتماداىعلى الوارد الفعلي للسنوات السابقة دون فرض ضرائب عالية وبشكل جزافي

4- تخفيض اسعار خدمات الماء والكهرباء والخدمات البلدية بما يتناسب والعائد السنوي وشمولها بنفس تعريفة المشاريع الصناعية

5- تسهيل منح سمات الدخول للزائر والسائح وتخفيض او رفع اجور الفيزا ومنح الفيزا في المطار اسوة ببعض الدول كلبنان وتركيا لتشجيع السائح والزائر لزيارة العراق.

6- فتح مراكز المدن المغلقة كمراكز مدن كربلاء والنجف والكاظمية وسامراء لدخول باصات الزائرين بعد تفتيشها تفتيشا دقيقا في نقاط متخصصة لضمان امن تلك المناطق من جهة وتهيئة سبل الراحة للزائر من جهة اخرى خصوصا وان معظم الزائرين من كبار السن والمرضى القاصدين زيارة الاضرحة لطلب الشفاء والرحمة.

7- وضع قاعدة بيانات تضم كل الفنادق والمطاعم والمحلات السياحية وتوفير برامج وبوابات الكترونية تتضمن المناطق السياحية بمختلف انواعها وكيفية تنظيم الزيارة مسبقا وكما هو معمول به في دول العالم المتقدمة.

8- منح قروض ميسرة لاصحاب الفنادق بضمان فنادقهم ومشاريعهم لتطويرها بشكل يتناسب والتقدم السريع في قطاع السياحة.

9- توسيع نطاق التعليم الجامعي في مجال السياحة والفندقة لخلق كوادر متخصصة في السياحة والذين سيجدون فرص عمل جاهزة في الفنادق التي ستعمل بشكل ممتاز اذا ماتم تفعيل النقاط.الانفة الذكر.

10- الاهتمام بالاعلام السياحي والدعاية السياحية وفتح مكاتب سياحية ملحقة بالسفارات العراقية العملة في الخارج لتشجيع الزائر الاجنبي لزيارة العراق خصوصا وان العراق اليوم اصبح امنا مقارنة بالسنوات السابقة.

11- توسيع حركة النقل الجوي وتعدد وجهات النقل الجوي عبر العالم وطرح بطاقات باسعار منافسة لتشجيع الزائرين على زيارة العراق حيث ان بعض الشركات العالمية تطرح تذاكر بسعر 5 يورو لوجهات تصل الى اكثر من ساعتين طيران لتشجيع السائح كما يحصل مع عروض شركة رايان اير الاوربية التي تطرح هذه العروض بشكل مستمر.

وإذا طبقت حكومتنا هذه الاقتراحات البسيطة فستضمن القضاء على البطالة اولا لاسيما وانها المشكلة الكبرى التي تهدد امن وسلامة المجتمع العراقي، وستخفف من العبئ الثقيل الملقى على كاهلها في توفير الرواتب والخدمات لملايين الموظفين والمتقاعدين وسيزدهر البلد اذا انتعش اقتصاديا.

يبقى العراق بلدا غنيا بموارده البشرية والاقتصادية والطبيعية ولديه القدرة على النهوض بسرعة لو وضعت الدولة خططا خمسية وعشرية صحيحة وتبقى السياحة نهر من ذهب.

أقرأ أيضا