بعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، ظهرت الكثير من الاحداث على الساحة العراقية التي أدت بعضها الى تدخل رجال الدين في الشأن السياسي العراقي، الا أن عند قراءة تاريخ المرجعيات الشيعية تحديداً تجد أن أغلبها مرجعيات ترفض التدخل بالأمور السياسية، ولابد من ذكر وجود خطين بارزين للمرجعيات الشيعية في العالم الإسلامي: أحدهما خط حوزة النجف، والآخر حوزة قم، ولعل من أبرز الخلافات بين هذين الخطين هي نظرية ولاية الفقيه التي تعمل عليها المرجعية الدينية في قم على عكس النجف التي لا تؤمن اطلاقاً بهذه الفكرة، وهنالك نقاط أخرى يختلف فيها الطرفان، ومنها كيفية التأثير والسيطرة على الشيعة الأمامية، والتدخل في شؤون الامم الأخرى، والتعامل مع الفصائل المسلحة.
وهذا ما لاحظه أيضا صلاح وهبة، وهو صحفي لدى المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن المواقف السياسية التي تتبناها مرجعية النجف من خلال خطبها أدى لظهور صراع ما بين النجف وقم، حيث ترفض الاولى التدخل بالشأن السياسي كما أنها تطالب بفصل الدين عن الدولة وتأسيس دولة مدنية.
على مستوى النجف يوجد السيد علي السيستاني المرجع الاعلى (مع وجود مرجعيات أخرى صغيرة وداعمة)، خلفا للمرجع السابق أبوالقاسم الخوئي المتوفى في العام 1993 سليل مدرسة فقهية ترفض تسييس الدين. وعلى مستوى قم فأن المرجع الأعلى هنالك هو السيد علي خامنئي وهو خليفة السيد روح الله الخميني مؤسس الجمهورية الاسلامية في ايران العام 1979 وهو صاحب نظرية الدولة الإسلامية وفق ولاية الفقيه، ويسمى في ايران بـ”المرشد”، ومعنى ذلك قيادة الجماهير دينيا و سياسيا أو هنالك معنى آخر ألا وهو “ولي أمر المسلمين”.
ترك السيستاني أثرا واضحا في النظام السياسي فحافظ على وحدة الشعب العراقي، وأرسى قواعد الدولة العراقية من جديد بعد الفوضى العارمة التي المت بالبلاد نتيجة للاحتلال الأمريكي عام ٢٠٠٣، فتباينت آراء العراقيين وعلى تنوع طوائفهم وقومياتهم ما بين مؤيد ورافض لهذه التدخلات، فمنهم من اعتقد أنها أضرت بالصالح العام، بينما اعتبرها البعض الآخر بمثابة صمام الأمان للعملية السياسية القائمة برمتها.
وعندما سئل عن رأي سماحة المرجع السيستاني عن شكل نظام الحكم، أجاب وكيله حامد الخفاف أن “النظام الذي يعتمد مبدأ الشورى والتعددية واحترام حقوق جميع المواطنين”، وأضاف “شكل العراق الجديد يحدده الشعب العراقي بجميع قومياته ومذاهبه والية ذلك هي الانتخابات الحرة المباشرة”.
وفي (13/ 7/ 2003) أُعلن عن تأسيس مجلس الحكم الانتقالي، والذي وُلد في ظروف غير اعتيادية على جميع الصُّعُد، أمنياً، سياسياً، اقتصادياً، واجتماعياً، إذ تمّ تشكيله من أحزاب المعارضة التي كانت في خارج العراق، وهي كلّ من (المؤتمر الوطني العراقي، حركة الوفاق الوطني، حزب الدعوة الإسلامية، المجلس الأعلى للثورة الإسلامية) إضافة إلى (الحزب الوطني الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني)، لتنضمّ إليه فيما بعد أربعة أحزاب عراقية أُخرى، وهي: (تجمع الديمقراطيين المستقلين، الحزب الوطني الديمقراطي، الحزب الإسلامي العراقي، الاتحاد الإسلامي الكردستاني).
إن السيستاني كان يرى ضرورة أن يكتب الدستور بأقلام عراقية، وبعيدا عن أي تدخلات خارجية، فقد أكّد على أهمية الدستور في معرض جواب سؤال وجّه من قبل (جمع من المؤمنين) إلى مكتب سماحته في النجف، وكان السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أعلنت سلطات الاحتلال في العراق أنّها قررت تشكيل مجلس لكتابة الدستور القادم، وأنّها ستُعيّن أعضاء هذا المجلس بالمشاورة مع الجهات السياسية والاجتماعية في البلد، ثمّ تطرح الدستور الذي يقرّه المجلس للتصويت عليه في استفتاء شعبي عام. نرجو التفضل ببيان الموقف الشرعي من هذا المشروع، وما يجب على المؤمنين أن يقوموا به في قضية إعداد الدستور العراقي.
وكان جواب السيستاني بخصوص هذا الأمر ما نصّه: «إنّ تلك السلطات لا تتمتع بأيّة صلاحية في تعيين أعضاء مجلس كتابة الدستور، كما لا ضمان أن يضع هذا المجلس دستوراً يطابق المصالح العليا للشعب العراقي، ويعبّر عن هويته الوطنية والتي من ركائزها الأساسية الدين الإسلامي الحنيف والقيم الاجتماعية النبيلة، فالمشروع المذكور غير مقبول من أساسه، ولا بدّ أوّلاً من إجراء انتخابات عامّة؛ لكي يختار كلّ عراقي مؤهل للانتخاب مَن يمثّله في مجلس تأسيسي لكتابة الدستور، ثمّ يجري التصويت العام على الدستور الذي يقرّه هذا المجلس، وعلى المؤمنين كافّة المطالبة بتحقيق هذا الأمر المهم، والمساهمة في إنجازه على أحسن وجه، أخذ الله تبارك و تعالى بأيدي الجميع إلى ما فيه الخير والصلاح، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته».