صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

السيناريوهات الممكنة للخروج من الأزمة الحالية

لم يوفق عادل عبد المهدي في احتواء الشارع العراقي، بل زاد الطين بلة بخطابه البعيد كل البعد عما يجري على ارض الواقع، وكان من المفترض به ان يركز على سبب هذا الحراك وان ينزل الى الشارع كي يقف على مطالب المواطن العراقي، وخصوصا فئة الشباب الذين ضاقوا ذرعا بحكومات متعاقبة لم تحقق لهم سوى القتل المجاني والموت البطيء والمستقبل المظلم والتجهيل الممنهج نتيجة لخلافات الساسة على تقسيم الكعكة والأجندات التي رسختها عبر أبواقها الإعلامية وبعض منابرها الدينية ترافقها التصريحات اللامسؤولة لبعض السياسيين الموتورين ممن يشجع العنف و الانتقام المضاعف.

اليوم وبعد تأزم الوضع وانفلاته وخروجه عن السيطرة نتيجة غضب الجماهير طرحت الحكومة والبرلمان وبعض الاحزاب المشاركة في العملية السياسية مجموعة حلول لكنها بمجملها لم تكن ناجعة وليست سوى جرعة مخدر ما عادت تؤثر في أجساد أصابها إدمان الوعود العسلية, وما فشل العبادي بتوفير عشرة الاف فرصة عمل وعد بها لامتصاص غضب الشارع البصري إلا مثالا واضحا على عجز الحكومة الايفاء بوعودها وما طرحه عبد المهدي و الحلبوسي اليوم من دعم الفئات الفقيرة برواتب ومساعدات اجتماعية ومحاولة السيطرة على الفساد بطرد 1000 موظف فاسد من وظائفهم وتوفير مساكن شعبية للفقراء إلا وعودا أخرى لن تتحقق في ظل وضع اقتصادي منهار وإن تحقق جزء منها فانها ليست حلولا لمشاكل عويصة بحاجة الى حلول جذرية قد تأخذ سنوات لتطبيقها.

ومن وجهة نظري المتواضعة والتنبؤ بما قد يصار اليه في الايام القليلة المقبلة لأنهاء هذه الازمة, أفترض وضع أحد السيناريوهات التالية:

اولا: الاطاحة بحكومة عبد المهدي وهو السيناريو الاقرب لما يجري خصوصا بعد ان دعا السيد مقتدى الصدر الى استقالة الحكومة وانتخابات مبكرة تحت اشراف اممي! هذا السيناريو ربما سوف يخفف من حدة الازمة ويهدئ من غضب الشارع لكنه لن يكون العلاج الناجع لها لأن البديل سيكون من نفس الوجوه او تلك التي تحمل نفس النَفَس السياسي الذي حمله جميع رؤساء وزراء العراق السابقين دون استثناء وهنا سنعود لنقطة الصفر من منطقة تحت الصفر لا من فوقها لنعود مرة اخرى الى مرتبة سالبه ادنى مما كنا عليه…

ثانيا: بقاء عبد المهدي بدعم من جهات اخرى سواء داخلية ام خارجية او الاثنين معا وبقاء العملية السياسية على حالها والنتيجة تأزم الوضع ما لم يقدم حلولا طويلة الامد لتحسين الوضع، وهذا صعب أيضا خصوصا وان البلد بحاجة الى 100 مليار دولار لاعادة تنظيمه وعلى مدى عشر سنوات قادمة، وانا اشك بتحقق ذلك إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار الفساد الذي ينخر جسد الدولة برمته.

ثالثا: استمرار مسلسل الدم واستمرار النزيف العراقي، ودس مجموعات لبث الفرقة وبنفس طائفي لتفريق الجموع وجعلهم يتقاتلون فيما بينهم ويعتدون على المال العام والخاص وبقاء الدولة كمتفرج لاثبات ان المتظاهرين ليسوا سوى مجموعة لصوص وقطاع طرق، وبالتالي تمييع المطالب والعودة الى الحرب الطائفية التي كانت بيئة امنة للحكومة وافرادها وكذلك بيئة صالحة لاستمرار مسلسل الفساد.

رابعا: انهيار العملية السياسية بكاملها اي حل البرلمان واسقاط الحكومة وتعطيل الدستور والبقاء في حالة اللادولة كما اطلق عليها عبد المهدي في خطابه، وهذا اخطر السيناريوهات، لأنه سيحول الوضع الى دمار شامل، يقضي على ما تبقى من روابط الأمن التي يحميها القانون واجهزته التنفيذية المتهالكة بسبب الفساد والمحسوبيات وانتشار الفوضى في ظل انتشار السلاح وقوة المليشيات والعشائر والجهل المطبق وهي بمجملها البارود المضغوط الذي يحتاج الى شرارة لاشعال فتيله كي ينفجر ويدمر كل ما حوله.

خامسا: انهيار العملية السياسية تحت سيطرة وتنظيم امريكية بعدما حققت الفوضى الخلاقة التي اثمرت واتت اكلها وفقا لما هو مرسوم ومعد لها مسبقا واعادة لم كل الازبال التي نثرتها منذ عام ٢٠٠٣ لتأتي بشخصيات اخرى “قد” تكون لها القدرة تحت اشراف امريكي لتصحيح الوضع وفي نفس الوقت قطع الطريق على التدخل الايراني في العراق، وهذا ممكن خصوصا وان العراقيين باتوا أكثر قناعة بأن لايران دورا كبيرا في تعميق مآسيهم، وأن محاربة أمريكا تحت مسمى الجهاد والمقاومة الشريفة لن تعود عليهم سوى بالتشريد والدمار.

وفي كل الاحوال، سواء تحقق احد تلك السيناريوهات او جزء منه أم لم تتحقق فإنها ستكون جميعها كالعلاج الكيمياوي الذي يحد من انتشار السرطان لا القضاء عليه وسيبقى الوضع العراقي كالجسد العليل، وسيبقى الحال صعبا على المدى القريب الذي قد يطول الى عقود في ظل شيوع الجهل والتخلف والفساد الذي تمتد أسبابه لعهود سابقة.

أقرأ أيضا