صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

الشعوب تحكم وتختار

تعاني شعوب الشرق الأوسط، والمجتمعات العربية تحديدا من مشكلة مستعصية وهي عدم تقبل الكثير من الأفكار والدعوات لتحديث منظومتها الفكرية والعقائدية والسياسية، بل وتغلق أذهانها باستمرار أمام كل مفهوم حديث، حتى في مجال الصياغات الدينية التجديدية التي تدعو الى التعايش السلمي.

يقول الكاتب جورج طرابيشي ان المجتمع العربي يريد الديمقراطية في السياسة ولا يريدها في الفكر، وبالأخص في الدين، انه مجتمع يستسهل الديمقراطية ويختزلها في آن معا، كذلك إشكالية الذئب والحمل: غالباً ما يختصر ما سمّاه طرابيشي بالنّزعة الشعبوية إشكالية الديمقراطية، في أنّ الدولة هي الذئب، والحمَل هو الشّعب، أو ثنائية الجلاّد والضحيّة. في حين أنّ المجتمع المدني أو الأهلي، هو نفسُه يعاني من مجموعة من الأمراض: أهمّها الفئوية الطائفية واللّوبوية الدّينية.

إن تجربة الديموقراطية في العراق تستحق وقتا اطول لتنمو، ولكن لابد من اختبار تجارب وبرامج جديدة بعيدة عن أمراء الحرب وفقهاء الشريعة الذين اثبتوا فشلهم في جميع الفرص الكثيرة التي اتيحت لهم لحكم البلاد، لذا لابد من البحث عن فرصة جديدة، واستبدال أفكارنا البالية المحملة بخرق الحروب والدماء ودعوات القتال والأفكار المأزومة المشحونة بالفرقة والتصورات الافتراضية، بأخرى حديثة.

يجب ان نقلل من التماد السياسة على الدين، أقلها على مستوى الادارة والسلطة، فمنذ فجر التأريخ سيطرت المؤسسات الدينية على المجتمعات، وكانت لصيقة بالعقل الجمعي لما توفره من أجوبة أسطورية غيبية، حيث تسلمت مقاليد السلطة والحكم في الكثير من العهود في العراق، كان آخرها بعد سقوط الديكتاتور صدام حسين، حيث اعتلت تيارات دينية بعد سنة 2003 السلطة، مستغلة عواطف الناس ومشاعرهم، فحفزت الناخبين البسطاء على الخروج الى الانتخابات وتوجيههم لاختيار أشخاص محددين، حيث استمرت الخطب ودعوات الدينية لجمهرة الناس وتوحيدهم في صفوف مذهبية طائفية واتجاهات حزبية، بعيدا عن قيم المواطنة وفكرة الدولة الديموقراطية، وتحول الأمر الى تحايل على حرية الانتخاب، وتسويقا لطقس عبادي لا أكثر، حيث نتج عن هذه العملية تردٍّ في مستوى الخدمات العامة، واستباحة للدماء، كما انتشرت قيم العنف المدعومة دينيا، فتفشى قتل الإنسان وهدر الدم لمجرد الاختلاف المذهبي او الديني او السياسي والفكري، حتى أصبح الانسداد الفكري وعدم الاعتراف بالاخر سمة طبيعية تطبع الكثير من الذهنيات العراقية.

أقرأ أيضا