الصدريون وان تسيدوا الانتخابات وحصدوا اكبر عدد من المقاعد وبفارق شاسع عن اقرب منافسيهم على المستوى الوطني او في حلبة الانتخابات الشيعية لكن هذا لن يكون كافيا لهم لدخول بمفاوضات تشكيل الحكومة مع الفائزين عن الحلبتين الكردية والسنية وانما مازال عليهم انتظار فائز اخر من الحلبة الشيعية يزيد من قوتهم العددية للحصول على منصب رئيس الوزراء والانطلاق باتجاه تشكيل حكومية براس صدرية لاول مرة منذ 2003 ، لكن هذا الحليف لابد ان تكون فيه مواصفات معينة يساندهم في الحصول على رئاسة الوزراء وحصة الاسد في الوزارات الشيعية التي قد تصل الى 12 او 15 وزارة بما فيها حصة الشيعة بالوزارات السيادية مثل المالية والداخلية والخارجية.
التشرينيون على تشتتهم حصدوا 41 مقعدا نيابيا وفقا للنتائج المعلنة حتى ساعة كتابة هذا المقال ولو دخل التشرينيون موحدين كما خطط لذلك بعضهم لحصلوا على ضعف هذه المقاعد وشكلوا كتلة تقلب المسار السياسي القائم منذ 2003 لكن حساباتهم التي تتحدث اليوم عن 41 مقعد موزعة على امتداد 9 مقاعد واشراقة كانون 6 مقاعد وقادمون للتغيير 4 مقاعد اما المقاعد المتبقية فقد حصل عليها مستقلون محسوبون على تشرين مثل باسم خشان ومحمد عنوز والفائز عن كوتا المكون الصابئي واخرين تبقى هذه حسابات تشير الى كتلة ليست بالرقم الهين ولو تجمع التشرينيون بكتلة واحدة (حسب معلوماتي يجري الاعداد لها حاليا تحت عنوان كتلة تشرين) فانهم سيكون الكتلة الثالثة من حيث العدد بعد الكتلة الصدرية وكتلة تقدم لمحمد الحلبوسي ، الا انها كتلة وطنية وان كانت بصبغة شيعية لان اعضائها لم يكونوا يوما جزءً من البيت الشيعي او او الائتلاف الموحد او غيرها من المسميات التي خاضت بها القوى الشيعية التقليدية الانتخابات السابقة كما انهم انبثقوا من منطلق (نريد وطن) عنوان احتجاج تشرين عام 2019 الرافض للمحاصصة وما انتجته من فساد وضعف للدولة وفقدان هويتها الوطنية لذلك لن يكونوا هؤلاء الفائزين عن تشرين بنظر الناس وباي شكل من الاشكال ممثلين لمكون بقدر ما يشكلون تمثيل لحالة وطنية نادرة انتجتها لحظة وعي وتحول اجتماعي وسط وجنوب العراق يبني عليها الوطنيون امالهم لتكون بوابة لتحقيق اهدافهم في الخلاص من كابوس الطائفية.
وتمتاز هذه الكتلة التشرينية بميزتين الاولى الوطنية ما يجعلها مقبولة لدى الاغلب سياسيا (احزاب) واجتماعيا (جمهور) والميزة الثانية انها ممثلة لناخب شيعي وخاضت الانتخابات في الحلبة الشيعية، وكلا الميزتين تجعلها الاقرب للتحالف مع الكتلة الصدرية لتشكيل الكتلة الاكبر عددا التي ترشح رئيس الوزراء وتحصل على حصة الشيعة بالوزارات وهذا التحالف ان تحقق فان ارباحه تفوق اضعاف ما سيحققه التشرينيون ان ذهبوا مع خيار المعارضة الذي يصرون عليه في تصرف يكشف بشكل واضح عن قلة خبرتهم السياسية ومدى انصياعهم للعاطفية السياسية التي لا مكان لها في قاموس العمل السياسي الفعلي وهنا اقصد بالعمل السياسي الفعلي ( العمل داخل البرلمان وليس العمل في ساحات التظاهر فالفرق شاسع بين الميدانيين).
اعرف ان الكثير من التشرينيين سيعترض على طرحي هذا وربما سيضعني في خانة الاتهام لكن قبل ان تفعل ذلك تعال نتحدث بنفعية متطرفة ونحصي مزايا هذا التحالف الذي يحقق مصلحة الطرفين ومنها تنعكس على المشهد السياسي بصورة عامة فالصدر مع 41 مقعد تشريني سيشكل الكتلة الاكبر عددا بتوجه ومتبنيات جديدة تحرره من قيود العمل السياسي التي رافقت تحالفاته النيابية منذ 2006 وتخلصه من مرحلة اللا صداقة واللا عداء التي كانت سائدة بينه وبين شركاءه علاقة استمرت بدفع ايراني لبناني مرغما عليها بداعي الحفاظ على المكاسب الشيعية الا ان وجود تشرين في الخريطة النيابية وحصول تيار الصدر على اعلى عدد من المقاعد بين الكتل الفائزة تعطيه حرية اوسع في التحرك والبحث عن حلول للانسداد السياسي الحاصل مع ضمان الحفاظ على مكاسب المكون الشيعي كون التحالف اذا تم بين الصدريين والترينيين سيكون التحالف الاقرب للجمهور فكلا القوتين يملكان القدرة على تحريك الشارع وهذا دليل على جماهيرية الفريقين.
اما التشرينيون فوجودهم في هذه المرحلة ضمن الائتلاف الحكومي ضروري للغاية فمنه يمكن تحجيم دور القوى الموالية لايران (الذين خرجت تشرين ضد حكومتهم) ودخولهم كبديل وطني مدني يؤمن بدولة وهويتها الجامعة، كما يمكنهم الاستفادة من هذه التجربة في ادارة السلطة وفهم اليات ادارة الدولة تمهيدا للانتخابات المقبلة التي قد تفرزهم ككتلة اكبر بعد هذه التجربة مع انتخابات 2021 الملهمة للمقاطعيين من التشرينيين ومشجعة للمستقلين الساخطين على الوضع السياسي القائم من اجل الترشيح انطلاقا من تجربة 2021 التي فتحت باب واسع للتغيير بعد ان كان مستحيلا بنظر الكثيرين. واذا خاض التشرينيون تجربة الحكم واداروها بنزاهة وكفاءة يمكنهم من خلالها اثبات ان الفساد لم يكن ثقافة مجتمع كما روج البعض وانما نهج احزاب معينة.
لا اخفي باني طرحت الامر على قيادات في التيار الصدري وكانوا مرحبين بالفكرة من الحيث المبدأ وممكن ان بدخلوا بحوار مع كتلة تشرينية موحدة تكون معهم الكتلة الاكبر عددا.
وتحدث مع اصدقاء تشرينيين فاعلين ومؤثرين بالمشهد التشريني وكانوا معارضين للفكرة لاسباب ارى من حقهم ان يستندوا عليها بمعارضتهم.
الاول يتعلق بما جرى في ساحات التظاهر ايام ثورة تشرين وتغيير موقف التيار من شريك الى خصم .
الثاني الحذر من عدم التزام الصدريين باتفاقاتهم .
الثالث الخوف من الجمهور التشريني ان يتحول الى خصم في حال تحول نوابهم الى جزء من الحكومة.
فيما يخص الاول والثاني فهما سببان مقنعان يمكن ان يضع التشرينيون شروط للتحالف مع الصدريين تحول دون ان يحدث ما يخشونه مثل الحصول على عدد من الوزارات يمكن ان تعطل عمل الحكومة اذا علق وزرائها عضويتهم في الجكومة مثل وزارة المالية على سبيل المثال.
اما فيما يخص السبب الثالث فهو يحسب على قيادات تشرين وليس لصالحها، اذ عليهم ان يتعلموا ان يقودوا الجماهير وليس العكس كما حصل مع اغلب القوى الشيعية وتسبب ذلك بسقوطها ، فالقدرة هلى اتخاذ القرار الحكيم هو ما يحتاجه القائد وفي اغلب الاحيان يكون القرار الحكيم افضل من القرار الصحيح.
وبكل الاحوال على نواب تشرين ان يفكروا بعقل السياسي وليس عقل المتظاهر فالفرق شاسع بين العقلين والعمل يختلف بين المضمارين فالعقل السياسي تتحكم به الحسابات والارقام وصولا الى تحقيق المنفعة التي تضمن حياة كريمة للمواطنين، والعقل المتظاهر تقوده العاطفة والشعارات البراقة من اجل تحريك مشاعر الناس وجذبهم الى الشارع كانصار وداعمين وصولا الى لحظة صعود عقل المتظاهر الى منطقة عقل السلطة لتطبيق ما نادت به الشعارات على ارض الواقع اما التمسك بخيار المعارضة يعني البقاء في منطقة عقل المتظاهر خصوصا في نظام مشوه ديمقراطيا لايجد فيه المعارض حتى مقعدا في برنامج تلفزيوني يعبر فيه عن اراءه.
وسيكون البديل هو السيناريو السائد منذ 2006 عندما تتحاصص الاحزاب السلطة ولن يكون للمواطن سهم فيها سوى متابعة تغريدات نواب المعارضة واحصاء ما تحصل عليه من اعجابات.