صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

الطريق إلى فلسطين لا يمر من كربلاء

لست ممن يتفاءلون بحل قريب للقضية الفلسطينية، ولا حتى بتغيير ميزان القوى بين طرفي النزاع رغم مؤشرات إيجابية عن تحولات غير مسبوقة في قناعات أوساط الرأي العام العالمي، لكني أعتقد أن القضية الفلسطينية باتت تسير في الطريق الصحيح لأول مرة، وهو أمر لم يتحقق بصواريخ حماس، لكنه نتيجة نضال تراكمي وتضحيات وجهود وخبرة مكتسبة في مخاطبة الرأي العام حاصرت الإدعاءات الإسرائيلية المضللة والتى تبناها جزء مهم من العالم لعقود، وهو أمر يجب المحافظة عليه وتطويره وعدم السماح للمتطرفين بالتشويش عليه كجزء من توحيد الخطاب الفلسطيني الموجه للعالم، كمقدمة لعمل فلسطيني موحد يطمح له كل المتعاطفين مع الشعب الفلسطيني.

لا زلنا في هذه الظروف القاسية على الفلسطينيين نسمع كلاما عن حتمية الانتصار وأحيانا هناك من يضرب لنا مواعيد استنادا لروايات دينية أو إلى عدالة  القضية وغير ذلك، بعد تجارب سبعة عقود لازلنا للأسف بحاجة للتذكير بثوابت بديهية، فلا علاقة لأي دين بانتصارنا أو هزيمتنا، لأن الأمر منوط بما سنفعل وكيف سيكون أداؤنا، ألم يذكر في القرآن: “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ورباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم”، يعني عليكم بالاستعداد للمعركة وتوفير متطلبات النصر، وعندما لا يحدث ذلك فلايجب أن تتوقع أي نصر، وهذا ما حصل للنبي محمد نفسه، حين خسر المسلمون معركة أحد بسبب أخطاء ارتكبها المسلمون، إذن فلن يوجد نصر إلهي من دون عمل بشري يوفر متطلبات النصر وإلا فإن علينا أن نصدق حق اليهود في فلسطين، لأنه وعد إلهي، رغم أن العلم بالأشياء يثبت أن اليهود الصهاينة عملوا بدأب وصبر ووظفوا كل معارفهم وإمكانياتهم وعلاقاتهم من أجل تحقيق هدفهم في السيطرة على فلسطين حتى أن مؤسسي فكرة الوطن القومي لليهود ومنفذيها الأوائل كانوا ملحدين! فتيودور هرتزل وبن غوريون وكولدا مائير وغيرهم ممن احتكموا للتوراة لإثبات عائدية فلسطين لليهود لم يكن أي منهم يؤمن بوجود الله!

قد لا يكون الوقت مناسبا لمناقشة أطروحات الإسلاميين بخصوص فلسطين وحتمية استعادتها، لكنه الوقت الذي يجب التحذير فيه من مخاطر هذه الطروحات الخطيرة على النضال الفلسطيني، بل وعلى العقل العربي.

إن تحرير الشعب الفلسطيني واستعادة حقوقه لن تمر لا من كربلاء ولا من القاهرة أو طهران، فهو سيحدث فقط عندما يتبع الفلسطينيون ومعهم داعموهم العرب منهجا علميا عصريا يوفر الأدوات اللازمة للتصدي للمشروع الصهيوني العالمي الإمبريالي واستحضار كل مقومات وعناصر القوة ونبذ والتخلص من كل عناصر الضعف وخصوصا الفكرية، وإلا فإن كل ما تحقق اليوم من جولة ناجحة ضد المشروع الاستيطاني الاستعماري العالمي سوف يتبخر وتعود إسرائيل لتمسك بزمام المبادرة كما كانت دائما.

وأنا أقول ماقلت، فإن عيني على العراق ومصيره المحزن الذي هو بسبب مزيج من الدعاوى والحتميات القومية والدينية الفارغة التي استخدمها الحاكمون لعقود في سيطرتهم على مقدرات العراق وإدامة مصالحهم المادية غير المشروعة التي حققوها بعد أن أشاعوا الجهل وخلقوا شعبا ينتظر الحل لبؤسه من السماء، فيما قادته يتمتعون بكل مافي الأرض من متع.

أقرأ أيضا