صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

العراق بين “نظرية الكَصبة” و”خراعات الخضرة”

في تسعينيات القرن الماضي، كان لدى أحد قادة المعارضة للنظام السابق، نظرية غريبة وملفتة للنظر، وهي “نظرية الكصبة” أو “القصبة” إذا احببتم، خلاصة “النظرية” كما يوضحها صاحبها، ان بإمكانه الإتيان بقصبة ووضع ثياب عليها وتحويلها الى رجل، بل والى مسؤول يدير عملا مهما، وهي تعكس قناعة بان الزعيم هو الوحيد الذي يفهم ويفكر ويقرر، والباقون مجرد ادوات تنفيذ لا تسمع لا ترى لا تتكلم، حالها حال “الكَصبة ” المغروزة في الارض. 

آنذاك كنا نتذاكر النظرية حين نريد التسلية والضحك، لأننا نراها قمة الطوباوية والنرجسية في الإدارة، وربما كانت سببا لتغيير مواقف الكثير منا إزاء ما كنا نسمعه من عمل وشعارات وتنظير بمضامين عالية!، وهو يناقض كلام الامام (ع) الذي يخاطب الانسان بقوله ” اتحسب أنك جرم صغير.. وفيك انطوى العالم الاكبر”. 

والأرجح أن نظرية الكصبة مشتقة من فكرة “خراعات الخضرة” التي توضع في الحقول والحدائق، وهي مجموعة اعواد يلبسونها ملابس على هيئة انسان، لإخافة الطيور، ومنعها من اكل الثمار! 

ودارت الايام وعشنا دولة ما بعد الدكتاتور صدام، لنكتشف ان الاعم الاغلب من سياسي وقادة العراق، لا يؤمنون بنظرية صاحبنا فقط، انما يعملون ب ” نظرية الكصبة “، حتى في اختيار الوزراء والمدراء العامين والمستشارين وكبار المسؤولين والسماسرة وغيرهم، يراد تطبق “نظرية الكصبة”، ولو بتفاوت بسيط لكنه ليس جوهري، ومن يحاول الخروج على هذه القاعدة فله الويل والثبور.

التجارب العالمية الناجحة، بما فيها تجارب دول جنوب شرق اسيا، وبعض دول الخليج، باعتبارها الأقرب لواقعنا، اثبتت ان الدول تبنى بالعقول والخبرات والكفاءات، وليس بالشعارات او “خراعات الخضرة”، لان عملية البناء والاعمار والتطوير تحتاج عقول علمية وعملية، ولا شك ان العراق ملئ بالعقول الكفؤة والجبارة، داخل وخارج البلد، لكن المشكلة انهم لا يعطون الفرصة، لان عملهم سيفضح المتطفلين والمتحزبين الممولين.

في الدول المتحضرة يسألونك أولا وقبل كل شيء عن الخبرات والكفاءات، وفي العراق يسألون عن الولاء و”المالات” للحزب الذي يحتكر ريع الوزارة. في العالم المتحضر يسمون عضو مجلس النواب او العموم او الشيوخ مشرّع، وأشهر المشرعين اكثرهم تشريعا للقوانين، وفي العراق أشهر النواب ليس المشرعون انما ” المبرذعون”، الذي يصبح مهما كلما كانت مقابلاته الإعلامية هجومية، وجيوشه الالكترونية اكثر عددا، واقل ادبا.

العراق بحاجة الى رجالات دولة وليس الى ” خراعات خضرة”، وبناء الدولة يحتاج العلم والكفاءة والمعرفة، وليس الولاء للحزب، طبعا لا مشكلة في اختيار موالين، لكن شرط ان يكونوا كفؤين ومنتجين ومخلصين للبلد.

أقرأ أيضا