صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

العراق.. وأمل الخلاص من الفوضى

اختلفت انتخابات العام ٢٠١٨ عن سابقاتها في تشكيك عدد من كبار ساسة البلد بنتائجها، الأمر الذي دفع البرلمان السابق إلى إلغاء نتائج العد والفرز الألكتروني وتجميد عمل مفوضية الانتخابات والاستعانة بفريق من القضاة للإشراف على عملية العد والفرز اليدوي، حيث عمل هذا الفريق بهدوء وبعيدا عن الأضواء والإعلام واستطاع أن ينجز مهمته بفترة مقبولة، فكانت المفاجئة ان نتائج العد اليدوي مطابقة بنسبة عالية جدا لنتائج العد الألكتروني، لتبدأ بعدها حركة الأحداث الدراماتيكية من المصادقة على نتائج الانتخابات إلى انعقاد البرلمان وانتخاب رئيسه وصولا إلى انتخاب رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، لذا اجد ضرورة في الوقوف على تفاصيل بعض الاحداث المهمة لاستشراف مستقبل العملية السياسية في العراق.

١. انتخاب رئيس البرلمان العراقي: من المعلوم أن منصب رئيس البرلمان من حصة السنة الا ان الملاحظ هذه المرة انهم فشلوا في الاتفاق على مرشح واحد ودعمه، مما اضطرهم للجوء الى مجلس النواب العراقي لحسم الموقف لصالح النائب الشاب الاستاذ محمد الحلبوسي، والذي كان اختياره مفاجئة كبيرة لكثير من المتابعين.

٢. انتخاب رئيس الجمهورية: اختلفت القوى السياسية الكردية بشأن اختيار رئيس الجمهورية، وقد حاول الحزب الديمقراطي ان يستحوذ على المنصب بصورة أو بأخرى الا ان الاتحاد الوطني اصر على ترشيح الدكتور برهم صالح، واللافت في الأمر ايضا أن انتخاب رئيس الجمهورية كان ايضا تحت قبة مجلس النواب العراقي، حيث كانت المنافسة حادة بين عدد من المتنافسين، في حين اعتدنا في السنوات السابقة على اتفاق القوى الكردية على ترشيح شخصية واحدة قبل انعقاد جلسة البرلمان.

٣. انتخاب رئيس الوزراء: هنا كانت المفاجئة الكبرى، والتي استبعدها الكثيرون، فقد نجحت الكتل الشيعية في الاتفاق على شخصية رئيس الحكومة في وقت قياسي، بل في وقت لم يتوقعه احد، لدرجة انه كان بعد اختيار رئيس الجمهورية بساعتين أو أقل من ذلك، في حين كان هذا الامر من اعقد المشكلات وأكثرها حساسية في المراحل السابقة.

تاسيسا على ما تقدم، ارى ان البلد اليوم يشهد مرحلة تحول مهمة في واقعه السياسي، إذ إن حركة الأحداث تجعلنا امام معطيات حقيقية يمكن الاستناد اليها في التفاؤل بمستقبل العملية السياسية في العراق، ولعل أهم تلك المعطيات الاتي:

١. ان السياسيين بدأوا يشعرون بخطر السخط الجماهيري، ويحاولون تغيير الانطباع السلبي للمواطن عنهم، وهو مؤشر صحة يمكن التأسيس عليه والتفاؤل بمستقبل افضل للعراق.

٢. وجود حالة تمرد نسبية على الارادة الخارجية، فعلى الرغم من الضغوط التي تمارسها بعض الدول لتوجيه العملية السياسية في العراق بالاتجاه الذي يتفق مع مصالحها الا ان الضغط الشعبي اجبر السياسيين على التفكير بموضوعية والتعامل البراغماتي مع الأحداث، وهو ما أسهم في حسم الخلافات السياسية بوقت مناسب.

٣. الانصهار النسبي لمكونات العملية السياسية في الانتماء الوطني، فعلى الرغم من تشكيل اغلب القوائم الانتخابية على اساس الانتماءات الفرعية الا انها اضطرت للتقارب بعد الانتخابات، بحيث أصبحنا أمام كتل كبيرة تمثل عدد لا بأس به من مكونات المجتمع العراقي.

٤. الوعي الجماهيري النوعي الذي أفرز ضغطا شعبيا على صانع القرار وقادة العملية السياسية في البلد، فبعد أن كانت قيادة الاحتجاجات الشعبية تعتمد بشكل كبير على السياسيين أنفسهم نجدها اليوم تحولت للجماهير، والتي بدأت تمارس ضغطا على السياسيين اضطرهم للتفكير الجدي بالتغيير.

وعلى الرغم من كل ذلك الأمل الا ان مستقبل العملية السياسية في العراق يبقى مرهونا بمدى إدراك السياسيين لمسؤولياتهم الوطنية، وقدرتهم على استيعاب الدروس المريرة التي افرزتها مرحلة ما بعد سقوط النظام السابق .. نعم نعتقد أن قدرا جيدا من هذا الإدراك بدأ يبرز الا انه لا يزال دون مستوى الطموح، نرجو أن تكون المرحلة المقبلة مرحلة تطبيب الجراح وتنمية الشعور بالمسؤولية الوطنية على مستوى المواطن والمسؤول على حد سواء.

أقرأ أيضا