صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

العراق وعواصف الشرق الأوسط

منطقتنا الشهيرة بنفطها، غازها وموقعها الجغرافي المهم، شهيرة أيضا بصراعاتها المتداخلة والمعقدة، والتي لاهلها قبل الغرباء فيها دور محوري في استمرار حروبها العبثية. منطقتنا التي قلبت راسا على عقب منذ عدة أعوام ودخلنا جميعا فيها نفق داعش والفوضى المقصودة وغير المقصودة على شرف الديمقراطية دخلت قبيل الخروج من ذلك النفق بسباق محموم وغير مسبوق، سباق على شرف قطف ثمار مرحلة ما بعد داعش.

الأمور تكاد تكون حسمت في العراق، وهي على مشارف الحسم في سوريا وربما في مناطق أخرى، لكنها لم تحسم بشكل كلي. الكل يريد ان يرسي قواعد خاصة به وبمزاج حاد لمرحلة ما بعد داعش. هذه المرحلة يريدها المنتصرون بمواصفاتهم الخاصة، وهم الذين قدموا من اجلها سيلا من الضحايا، يريدون الحديث بمعطيات المنتصر بعد أن تجرعوا المرارة، هذه اللحظة التاريخية تمثل رمزية كبيرة لا يمكن التنازل عنها فقط، من اجل عدم استفزاز اطراف أخرى كانت ترى في حراك داعش خدمة لها بشكل او بآخر.

والاخرون يعتبرون ذلك مزيدا من ترسيخ النفوذ غير المسموح به، لا يطيقون التكيف مع مزاج ذلك المنتصر بأي شكل من الاشكال. ما تمر به السعودية والازمة في لبنان، ثم اللقاءات في سوتشي على شرف بوتين، زيارة الأسد الاستثنائية الى روسيا، الترتيبات الانتخابية في العراق، تداعيات ازمة الاستفتاء التي لازالت بنهايات مفتوحة، فلم يتم الاتفاق تماما على وضع كركوك ولا على المعبر الحدودي خارج حدود الإقليم بشكل كلي، اجتماعات وزراء دفاع بعض البلدان الإسلامية في الرياض، ناهيك عن تداعيات المراجعة التي يتم الحديث عنها بخصوص الاتفاق الاستراتيجي بين ايران والجبهة الغربية عموما، الازمة الخليجية، كل ذلك يضع جميع الخيارات على الطاولة، والمفاجئات السارة وغير السارة ليست غريبة على التحولات الشرق أوسطية. السباق المحموم في هذه اللحظات هو من اجل خطف هدف هنا او هناك في الوقت الضائع ولذلك تسير الخطوات بوتيرة جنونية هنا او هناك، ما يجري ليست تحاولات شكلية فقط بل يجب التعاطي معها بشكل جدي.

في ضوء ما تقدم يهمنا عدم التفريط بما تم الوصول له حتى الان على الصعيد العراقي، تعاضد الجهود والتروي بالخطوات انعكس بشكل إيجابي على مجمل الوضع العراقي وهناك شيء من الامل يعيشه المواطن العراقي شبيه بمرحلة العام 2008، امل بالتعايش السلمي، وسيادة خطاب الاعتدال وتجاوز مرحلة الانقسام الطائفي العرقي الحاد.. لكن التطورات في المنطقة تنعكس بشكل او باخر على العراق، إن أي خطوة غير محسوبة هنا او هناك قد تخلط الأوضاع في الساحة العراقية ومن السهولة جدا ان يتم التفريط بهذه اللحظة التاريخية التي يمر بها العراق كما تم التفريط سابقا بلحظات مهمة بعيد الخلاص من تنظيم القاعدة، خصوصا في انتخابات العام 2010 والاستقطاب الحاد جدا الذي حصل آنذاك.

بعد إصرار القوى المؤثرة في المشهد العراقي على اجراء الانتخابات في ربيع العام المقبل فاننا امام فرصة كبيرة للتاثير على المشهد العراقي بشكل مباشر او غير مباشر، المواسم الانتخابية التي تبدا مبكرا تستسهل نكأ الجراح، وقد تعيدنا للمربع الاول. فوق كل ذلك فإن أدوات التاثير لبعض القوى في المنطقة عموما والعراق بشكل خاص يمكن لها ان تؤدي دورها السلبي حتى في غير المواسم الانتخابية، سيما واننا لازلنا دولة ضعيفة وغير ناضجة، رغم كل المحاولات لتحديث مؤسسات الدولة لكنها بصراحة لازالت بعيدة تماما عن المستوى المطلوب.

وفق هذه المعطيات علينا اذن التركيز على الشأن الداخلي والعمل قدر المستطاع على ترميم البيت العراقي بهدف تقليل الخسائر. ان التطورات في المنطقة قد لا تنتهي بالضرورة الى صراع عسكري ولكن استبعاد ذلك الخيار تشخيص مخطوء. هناك صراع إقليمي دولي مفتوح على شرف مرحلة ما بعد داعش، هناك خطوات على الأرض ووراء الكواليس تتسارع، كما ان هناك قنوات تواصل مستمرة بين ابطال المشهد، وليس بعيدا ان نكون جزءا من أي صفقة تفاهم هنا او هناك او حتى تخادم سياسي غير معلن شئنا ام ابينا.. وقد لا يكون لنا خيار القبول او الرفض! التفاهمات السابقة إقليميا ودوليا حول صراع النفوذ في المنطقة تشجع على استنتاج من هذا النوع للأسف الشديد. فعلينا الحذر.

أقرأ أيضا