صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

الفساد المقدس

يكاد يكون الفساد هو السمة الاساسية للنظام السياسي الحالي مثلما هو العلة الجوهرية التي تقف خلف اخفاقاته، لكن مع ذلك ومع احتشاد غالبية المجتمع ضد فساد هذا النظام وسقوط تبريراته الا انه لايبدو انه في طريقه للهزيمة او ان الاسلاميين الحاكمين على وشك السقوط، وذلك بسبب ارتباط الفساد بالمقدس، وهو امر نجح فيه الاسلاميون ومازالوا بحيث ان شرائح واسعة من المجتمع متضررة بشدة من النظام السياسي وفساده لا زالت تتردد في قطع الصلة بالاسلاميين، لان ذلك يمس قداسة معتقداتهم التي لازالت ترتبط بالافراد والجماعات الحاكمة، ورغم ان رد فعل شرائح اخرى في المجتمع على فساد الاسلاميين قد تجاوزهم ليطال القيم والثوابت الدينية فان جزءا مهما من المجتمع لايزال يربط بين الحاكمين والمقدس على انهما شىء واحد.

لقد أفادت دراسة لجامعة أمريكية عام 2012 في أوساط طلبة الجامعات العراقية الى تزايد ظاهرة الالحاد بينهم كرد فعل على الاسلاميين وسياساتهم، ان صعوبة وتعقد المشهد السياسي وتعقده لجهة سيطرة الفساد على كل مفاصل الدولة ومؤسساتها وعدم وجود بديل او مشروع بديل فان ذلك ليس الامر الاصعب فالعامل الاجنبي للفساد هو بوليصة تامين النظام السياسي وفساده والذي يوفر له الحماية واسباب البقاء بعيدا عن المعادلات الداخلية السياسية والاجتماعية, هذه المعادلات التي تتجه لانهيار حتمي لنظام الفساد وإن بعد وقت ليس بالقصير على خلفية استهتار الحاكمين بهذه المعادلات ومفرداتها كالوضع الاقتصادي المتردي وتصاعد مؤشرات الفقر وتفشي البطالة وانهيار البنى الاساسية اللازمة لتوفير الحد الادنى من متطلبات حياة الناس والفقدان التدريجي لعوامل استقلال البلد ناهيك عن تاكل مقومات الدولة.

إن التجاهل وعدم التعاطي الايجابي والعلمي مع مفردات المعادلات الاجتماعية والسياسية من قبل الحاكمين يفقد النظام السياسي مما تبقى من اسباب موضوعية للبقاء والاستمرار مما يجعل العامل الاجنبي هو العامل الاساسي والجوهري لوجود هذا النظام وهو امر خطير ليس فقط على الدولة والمجتمع بل على النظام السياسي ذاته مما يهدد السلم الاهلي الهش.

إن العمل الجاد والمثابر من اجل اصلاح الاوضاع من داخل وخارج العملية السياسية رغم حالة الياس والاحباط الشديدين وغياب الافق هو أمر ضروري لخلق مساحة شرعية ضد الفساد ونظامه ما يفعل المعادلات الداخلية السياسية والاجتماعية ويبكر بها، وهو ما يجب ان يمضي بالتوازي مع جهود دؤوبة للحد من النفوذ الاجنبي,لان اي تطور في عمل المعادلات السياسية والاجتماعية سيسهل من عملية التصدي للنفوذ الاجنبي كما هو تقلص هذا النفوذ سيصب في صالح اعادة الاعتبار للعوامل الموضوعية والحقائق السياسية والاجتماعية.

أواخر العام الماضي استلم السيد عادل عبد المهدي رئاسة الوزراء وسط ظروف سياسية معقدة وصراعات بين القوى السياسية من اجل الحصول على منصب رئيس الوزراء، لقد كان رأسمال عبد المهدي الذي أوصله لهذا المنصب وسط صراع الاقوياء هو ضعفه الذي أغرى القوى السياسية بانها يمكن ان تتمتع بمساحة كبيرة من الحرية في ظل رئيس وزراء ضعيف لا ينتمي لكتلة سياسية قوية، سيما وأن ذلك جاء بعد اختبار لمدى مصداقية النظام السياسي وقوى الاسلام السياسي المكونة له تمثل بالعزوف الواسع للجمهور عن المشاركة في الانتخابات مع مظاهر الاستياء والاحتجاج على هذا النظام وقواه المهيمنة، لكن الرجل لم يكن معدوم الكفاءات فقد اظهر قدرته على تحقيق مصالح ستراتيجية امريكية وكذلك ايرانية في نفس الوقت وهو امر ليس سهلا اذ ان عدم اجادته اطاح قبل ذلك بحيدر العبادي الذي بدا ان ميزانه مال وان قليلا للامريكان ما كلفه خسارة فرصته التي كانت معقولة لولاية ثانية.

من الناحية العملية فان كل محاولات عبد المهدي اللاحقة للخروج عن اطار مصالح القوى النافذة في شكل قرارات او حتى تصريحات تراعي مصالح العراق وظروفه قوبلت بالصد والرفض من قبل هذه القوى وذلك بالتلويح بالاقالة او سحب الثقة بين حين واخر.

أقرأ أيضا