على الرغم من الرفض المتواصل لتولي مستشار الأمن الوطني فالح الفياض وزارة الداخلية، مما عطل نصف الكابينة الوزارية، ورغم المحاولات الحثيثة لتوزيره الا ان هذه المحاولات ظل مجردة وفشلت كل المساعي الدولية والاقليمية حتى الان في الحفاظ على هذا المرشح “الجهبذ” والذي تمسكت به كتلة سياسية وقاتلت من أجله.
بالمقابل كانت هناك كتلة اخرى قاتلت وأعلنت رفضها الصريح بعدم تولي الفياض وزارة الداخلية، لاسباب كثيرة مضمرة لم تعلنها، لكن الابرز فيها، هو ان الفياض من ضمن الذين وقع عليهم، شعار “المجرب لا يجرب”، وليس لأنه مجرد شخص عادي لا يمتلك أي تفاصيل او خطط أمنية معتبرة، منذ توليه زمام استشارية الامن الوطني، فالرجل وضع في مكان كهذا لترضية اطراف معينة ينتمي اليها.
ظل الفياض مترنحا بين كتلتين “تتعاركان” سياسيا من أجله، لكن المعركة هذه تكلف الكثير، وغالبا ما يتحمل تفاقم هذه المشكلة ووقوعها بالدرجة الاساس على عاتق المساكين والفقراء والاغلبية الصامتة في بلاد وادي الحرامية (العراق سابقا)، وهذا ما يجعل الخيارات تبدو صعبة، ازاء رجل واحد يعطل دولة كاملة، بسبب العناد الواضح بين جميع الأطراف، بين طرف مصر على توليه بشكل قطعي وطرف اخر رافض توليه بشكل قطعي أيضا.
وأزاء تفاقم الأزمة يخرج الفياض بتصريح خطير والذي من شأنه رفع منسوب الازمة واثارة الجدل وتصعيد الخلاف بشكل علني.. حينما قال “بأن ملف قضية عبدالمجيد الخوئي لم يغلق بعد ولا يزال على الطاولة” في اشارة واضحة للفياض حول التلويح بملف قديم للكتلة المعارضة لتوزيره.
بهذه الخطوة دفع الفياض بنفسه لأن يقف وحيدا، رغم ان التصريح وبشدة خطورته، فهو لا يتجرأ بالقول وحده، الا أذا قد حصل على ضوء أخضر من طرف قوي، يسعى لخلط الاوراق واحراج حكومة عبدالمهدي التي لا يزال نصابها اعرجا، ومحاولة لفرض سياسة أمر واقع.
عمليا، فأن الفياض قد يكون صاحب أقوى تصريح أطلقه، حتى الان، وهو ما لم يتجرأ عليه المالكي، حينما كان في أوج قوته وسلطته في الحديث عن هذا الملف، لكن خطوة الفياض قد تعتبر بمثابة إطلاقة أخيرة على نفسه، بعدما يأس في الحصول على وزارة الداخلية.
لن يمر تصريح الفياض مرور الكرام، وسيكون عاجلا أم اجلا بالمرصاد، وبذلك يكون قد انهى فصلا طويلا من حياته السياسية التي قضاها بين كونه مستشارا رئيس الجمهورية او مستشارا للامن الوطني او حالما بالحصول على وزارة الداخلية، بعد ان شق صف العبادي في كتلة النصر لينضم الى تحالف الفتح، متوقعا بأن ذلك قد يمنحه منصبا وزاريا رفيعا، دون اعتراضات عقيمة.
أظهر الفياض بشاعة سياسية وتخبط في التصريحات السياسية، دون الشعور بخطرها وتأثيرها على المشهد السياسي، وفتح ملف عداوة لن ينتهي مطلقا، ربما قد دفع بنفسه من جديد وهو الكهل الذي دخل في عامه السبعين نحو الهاوية.