صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

القاضمي..!

ما شاء الله “بلا حاسد ولا محسود” فلقد تجاوز عدد القنوات الفضائية في المنطقة العربية الرقم ألف وخمسمائة فضائية، متنوعة الإتجاهات والمشارب، ومنها سبعة وخمسين فضائية في العراق، وأيضا متعددة الإتجاهات والمشارب، ودائما هناك من يدفع فيزدحم الفضاء بصور عجيبة وغريبة لأقوام هجينة من مقدمي البرامج وقارئي نشرات الأخبار ومن ضيوف البرامج، أقوام لا يعرف أصولها وجيناتها .. وهذه الفضائيات التي سبق وأن وصفتها أنا بـ “الساونات الفضائية” تقدم لنا مقدمات ومقدمي برامج بديكورات تتناسب وطبيعة المرحلة والطقس .. عمليات تجميل لشفاه إناث باتت غليظة وأنوف إناث باتت مدببة، ومقدمي برامج بلحى شيعية وسنية وشوارب كوردية وكل هذه القنوات تتحدث عن الفساد والمفسدين، فيما أصحاب قنواتهم جلهم من الفاسدين والمفسدين وبأموال عجيبة وغريبة تبدأ من منهوبات برزان التكريتي وعدي، ولا تنتهي بمصدر واحد .. وجلهم من مافيات تاريخ العراق المعاصر! ويؤدون وظائفهم بلا قانون!

الأخوات التي كثيرا ما أتسلى بمشاهدتهن في أوقات الفراغ يقعن في أخطاء ليست لغوية فحسب بل في لفظ الأسماء العربية. ومن جملة الأسماء التي وقعت في عوالم نشرات الأخبار في الفترة الأخيرة، إسم رئيس وزراء العراق “مصطفى الكاظمي” .. وأغلب مذيعات ومذيعي التلفزة وخاصة في جغرافية الخليج “من الوطن العربي” يلفظن ويلفظون إسم مصطفي الكاظمي “القاضمي” والقاضم في اللغة العربية ويكتب “بأخت الصاد” وليس “بأخت الطاء”، فإن إسم “قاضم”  بكسر الضاد هو من فعل  “قضم” ويقال قضم اللقمة أي كسرها بأطراف أسنانه وأكلها .. وقضمت الأسنان، أي تكسرت أطرافها،  فلم يعد بمستطاع صاحبها لفظ الكلام بطريقة سليمة.. ورئيس وزراء العراق إسمه الكاظمي وليس القاضمي لأن في ذلك إساءة لمعنى الإسم وبالضرورة إساءة للعلاقات الدبلوماسية بين فضائية الدولة أو دولة الفضائية، وبين العراق الموصوف بالمقضوم أي المتكسر الأسنان والأطراف!

إسم رئيس وزراء العراق هو “مصطفى الكاظمي” وإن إسم مصطفى لا يختلف فيه أثنان وهو سمة رسول المسلمين محمد صلوات الله وسلامه عليه، وأما اللقب فهو متأت من الفعل كظم وهو كاظم ومعناه الممسك على ما في نفسه عند الغضب .. وجاء في القرآن الكريم “والكاظمين الغيظ” وهو مالك لنفسه عند الغضب.  وحقيقة الإسم تحاشيا للألتباس فإن إسم الرجل “مصطفى مشتت” وما لقب “الكاظمي” سوى الإنتساب لمنطقة الكاظمية في بغداد، وهي منطقة مقدسة عند العراقيين لأن الإمام موسى الكاظم عليه السلام يرقد في أرضها المقدسة، وقد إنتسب رئيس وزراء العراق إلى محلة الكاظميين وتلقب بلقبها .. وأما كلمة “مشتت” فتعني في معجم اللغة الشارد الذهن، ومشتت الذهن يعني الشارد أي من يفكر في أشياء كثيرة في آن واحد .. سيما إذا ما خانته الثقة بمستشاريه والناطقين بإسمه. أما الكواظم وهم الشيعة من سكنة الكاظمية فجل إهتمامهم بالأدب والتجارة والصلوات، وهم دائما متفوقون في الأدب والتجارة فما عليهم وقت الملمات سوى دخول مرقد ألإمام موسى الكاظم  من أحد أبوابه وهو “باب الحوائج” وهي أحد صفات الإمام موسى الكاظم عليه السلام، ويخرجون منه مطمئنين، فيعودون بتجارة رائجة وبذهب صاف وبشعر موزون  .. ومن المبدعين الكواظم الشاعر عبد المحسن بن محمد بن علي الكاظمي المولود عام 1871 والمتوفى رحمه الله عام 1935 وقد عانى مثل الكثير من العراقيين في حياة الغربة حيث قضى حياته في مصر حتى توفي رحمه الله في القاهرة .. حاول والده أن يدخله التجارة لكنه لم يمل إليها فتعلم مبادئ القراءة والكتابة وإستهواه الأدب فنهل من علومه ويوصف بتميزه بخصب قريحته وسرعة بديهته ورفيع ذوقه وعذب الفاظه وكان يقول الشعر إرتجالا، وتبلغ مرتجلاته الخمسين بيتا وأحيانا المائة بيت. فكتبت عليه الغربة والإغتراب مثل ما كتب القدر على ملايين من العراقيين النفي والغربة والدفن في “ديار الغرب”!

وعود على بدء كما يقال، فإن السادة المذيعيين  والسيدات والآنسات عليهم أن يحسنوا اللفظ وأن يفرقوا بين معنى الكاظمي والقاضمي .. وحتى ننهي الخلاف بيننا وبين نجوم التلفزة من الجنسيين، وحتى لا يجدون في الأخبار ما يثير شهياتهم وهي أخبار التدهور والموت والصراعات الدامية والتفجيرات وتقسيم البلدان وإنهيارها ..  أن ندعو السيد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي زيارة مرقد الإمام الكاظم عليه السلام والدخول إليه من “باب الحوائج”، ليس بمعنى العقيدة بل بمعنى “الإنتماء العراقي”  وبمعنى “الحلم  العراقي”!؟

فإذا دخل الكاظمي أو أي كاظمي من العراق من باب الحوائج “بمعنى الإنتماء العراقي” ومعرفة “حوائج العراق” ، ويخرج من “باب الحوائج” عالما بحاجات العراق، فسوف يخرج والعراق خال من السلاح المنفلت، ونسبة الأمية فيه قد تلاشت نحو الصفر، ولم يعد ثمة فقير أو يتيم، والجميع يعمل مثل خلية النمل أو خلية النحل وليس ثمة عاطل عن العمل، وقد إنسحبت منه قوى الفساد وإنكشف أمرها ونالت إستحقاقها، وعاد العراق واحدا موحدا من الجنوب إلى الشمال وتدفقت مياه الفراتين والشاطئ لحد ألإختناق بالفيضان وتعود إليه السدود مغمورة بالمياه الصافية من جبال العراق ومن المياه الجوفية، وصارت الأهوار العراقية عوالم للسياحة تعيدك وأنت بالمشحوف، ترى بلاد سومر في مساحات الأهوار، وترى العراق وقد  رحل الظلام عن لياليه حين تشع فيه الكهرباء ويصبح ليله نهارا، وترى العراق وقد تهدمت فيه السجون وحتى المشافي لأن العراقيين لن يحتاجوا لدخول السجن بل لدخول المدارس والجامعات وسوف لن يصيبهم مرض يضطرهم لدخول المستشفيات وسيرتجلون الشعر وهم في وطنهم يلجأ إليه معذبو الأرض، لا أن يغامروا هم في طلب اللجوء،  وتراهم يكتبون الملاحم السومرية ويسنون القوانين البابلية وستزدهر ضفاف الشواطئ بالنخيل الذي يزهو بست وثمانين نوعا من الرطب الجني، وسوف لن يرى العراقي الحزن ولن يعرف مذاق ملوحة الدموع المنسابة على خديه.. وسوف لن يغني العراقيون كل يوم عن الجسور التي نقطت منها الدماء في مياه الفراتين والشاطئ، وهم يغنون جسر الحديد “إنكطع” من دوس رجليه، بل يغنون حالمين ..

“يوم الذي حبيت يا منيتي .. جنيت”

سينمائي وكاتب عراقي مقيم في هولندا

أقرأ أيضا