تشهد محافظة ذي قار، منذ فترة ليست بالقصيرة، تظاهرات عديدة تطالب بالتعيين على ملاك وزارات الدولة وهذه التظاهرات ظهرت مباشرة بعد ثورة تشرين، او دعونا نقول ظهرت باسم “تشرين”، إذ استغل البعض خطأ الحكومة الكارثي الذي عالجت به الثورة بتعيين بعض المتظاهرين الذين خرجوا للمطالبة بحقوق معينة فواجهتهم بتعيينات واموال ومناصب مقابل اسكاتهم، وعلى إثر هذه القرارات الطائشة، ظهرت لدينا فئة نظرت لما يحصل بأنه “غنيمة”، وعليها ان تأخذ حصتها من هذه “الغنيمة”، فأمست تقطع الشوارع وتغلق الدوائر في سبيل الحصول على عقد وزاري حكومي.
وبعد ذلك، ظهرت لدينا ما تعرف بالتكتلات العشائرية التي كنا نعتبرها صمام امان للبلاد وقت الحاجة، كما كان دورها إيجابيا بعد سقوط النظام السابق في 2003 في الحفاظ على ممتلكات الدولة، لكنها اليوم تقوم بإغلاق حقول البلاد النفطية التي تقع داخل أراضيها الزراعية التي استأجرتها بعقود من الحكومة، فصارت تطالب بالتعويضات او بتعيينات لاولادها وهي كلها مصالح شخصية ضيقة قابلها رضوخ حكومي كبير ومفزع ومخيف، كلها امور ساهمت بتفشي ظاهرة التعيين العشوائي.
رافق هذه الأمور، صعود فئة جاهلة لا تفقه شيئا، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتسعى للظهور مع كل تظاهرة تطالب بالقصاص من القوات الأمنية، حتى أوصلت “بواسل الوطن” إلى حالة باتوا فيها يخشون من حمل سلاحهم في الميدان، فأضحى الشرطي والجندي مغلوبا على أمره، حيث صار الهجوم عليهم في مواقع التواصل الاجتماعي متكررا، بل بمقاطع (فيديو) تبث علنا ولا احترام للرتب العسكرية وصارت تهان بأبشع الألفاظ، ثم صار هذا الشرطي او العسكري خائنا، وهنا حلت الكارثة، فمع كل تظاهرة تتم مهاجمته ويعتدى عليه دون اي مبرر لهذا الاعتداء، وتقف تلك الفئة الجاهلة صامتة ازاء اي اعتداء وكأن الامر لا يعنيها، وما ان يرد العسكر على هذه الاعتداءات التي تحصل عليه وتنتقص من قيمته، تظهر هذه الفئة وتطالب بالقصاص منه، وتبدأ بتحشيد الجماهير ضده في مواقع التواصل الاجتماعي، وهو امر خطير لا بد من الوقوف عنده ومحاسبة هؤلاء وفق القانون.
اقول لك ايها الخريج، الحياة ليست تعيينا في دوائر الدولة فقط، بل طالب بمشاريع استثمارية تفتح المجال الواسع أمامك، لتعمل، طالب بمشاريع زراعية وصناعية وغيرها من الأمور التي تضمن حقك في هذا البلد، وتجعلك تعيش بكرامة، لا يكن همك التعيين فقط، انا اعلم انك صاحب شهادة، لكن صدقني التعيين، ليس كل شيء في هذه الحياة، فكر قليلاً، عد إلى رشدك، وبالمقابل الدولة ملزمة باظهار حسن النية في تطوير عملها تجاه هؤلاء الشباب، لمساعدتهم في بناء البلد، بعيداً عن قراراتها العشوائية التي لا طعم او لون او رائحة لها.
احبائي، إن المتظاهرين، والاجهزة الأمنية أخوة واحبة، ولكن حينما يقطع المتظاهر طريقا عاماً او جسراً او يحرق الشارع بالاطارات المحترقة ويلوث المدينة بالدخان الأسود يومياً، فهنا واجب الامن بفض اعتصامه واعادته لرشده قبل فوات الفرصة عليه، وبالمقابل فإنه ملزم باحترام هذه القرارات لا ان تتصادم معها لان الرد سيكون اعنف عليها وربما يصيبه أذى منها (كافي مجاملات على حساب الحق والحقيقة)، اذا كان تريد التظاهر فاليتظاهر بادب وأخلاق رفيعة (كما نص القانون على ذلك) والناس ستتعاطف معه، اما ان يحرق شارعا او يغلق مؤسسة حكومية وتشيع الفوضى في المدينة، فيجب اعادته لحجمه الطبيعي، اذ لا يجوز شرعاً ولا قانوناً تعطيل المصلحة العامة من اجل مصلحة خاصة، اننا نقف مع القوات الامنية في إعادة سلطة القانون للمحافظة بعد انهيارها منذ عام 2019.