صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

القضية البصرية في الدولة العراقية

بقدر ما يتعلق الأمر بالصحافة العراقية فإن البصريين على قناعة تامة بأن هذه الصحافة لم تقم بواجبها المأمول منها في تغطية ما يحدث في مدينتهم، كما أن الصحفيين العراقيين لم يدركوا بعدُ حجم الوضع المأزوم فيها ولا الاتجاه الذي يسير فيه مجتمعها. وسبب ندرة الكتابات الجادة عن البصرة وأحوالها نرى فرح البصريين بما هو أقل من ذلك، حتى بتلك الإشارات والتلميحات التي ترد في بعض المقالات، وبنحو خاص تلك التي يكتبها أشخاص مصنّفون على أصدقاء البصرة ومحبيها.

ما هي أزمة البصرة؟ وبماذا يشعر البصريون؟ وكيف يفكرون في أوضاعهم؟ وأي الحلول التي أخذوا – فرادى ومجموعات – بالتخطيط لها؟ هذه هي بعض أهم الأسئلة التي على الصحفيين الإجابة عليها.

فكرة تخفيض أعداد طواقم الرئاسات الثلاث وإلقاء هذه الرئاسات لخطب التعاطف مع البصرة لم تعد مغرية للبصريين، فهي في تصورهم لا تحد من مشاكلهم ولا تعكس تفهما لواقعهم ولا تستجيب إلى أي مطلب من مطالبهم التي قدموا من أجلها عشرات الشهداء والجرحى، ومئات المعتقلين والمطاردين، وآلاف المسمومين والمرضى، وملايين العاطلين والفقراء والمعوزين.

في نظر البصريين يبدأ الحد الأقل من تفهم الوضع في البصرة باعتراف الجميع بوجود أزمة كبرى في الدولة العراقية بات إسمها (القضية البصرية).

هذه القضية لا تعتمد على مشاعر التذمر المنتشرة لدى بعض البصريين العاديين وازدياد مطالباتهم بالتعيينات والوظائف والحصول على مياه الشرب وأعداد أكبر من ساعات التزويد بالكهرباء، بل تعتمد على فهم أعمق لعقم العلاقة بالدولة العراقية بصيغتها الحالية، حيث تحولت مدينة بمستوى البصرة، قلب العالم الجيوسياسي قبل مئة عام، وحلقة الربط بين الشرق والغرب في قضايا المال والتجارة، وأكثر مجتمعات المنطقة تنوعا وانفتاحا وإنتاجا، إلى عنوان في الدولة العراقية للبؤس والتعاسة والحرمان والحرب والعزلة وقلة التعليم وتفشي الأمراض وتنامي العصبيات على شتى أشكالها.

القضية البصرية هي ليست حتى مجرد مطالبات بإجراءات أفضل لتحسين الظروف المعيشة للمجتمع البصري أو صلاحيات إدارية أوسع أو ميزانية مستقلة، إنها في العمق مؤشر على فشل العقل السياسي العراقي (قديماً وحديثاً) في الدخول إلى عالم الاقتصاد والتنمية وتطوير العلاقات الدولية.

قصة البصرة مع الدولة العراقية هي قصة مدينة عالمية تحولت بفضل السياسات الحمقاء، الفاشلة، عديمة المسؤولية، والضيقة، إلى مدينة مهمشة ومنسية وغارقة في مشاكل الظلمة والمياه المالحة والمجاري الآسنة والمدارس الطينية وتلال النفايات والأوبئة والسرطانات وجيوش من الأميين.

في ظل هذا الفهم لطبيعة المسألة البصرية في الدولة العراقية ستكون أي حلول لمشاكل البصرة لا تعيدها إلى مكانتها اللائقة هي أنصاف حلول. ولا تعاد البصرة إلى مكانتها اللائقة إلا باستنفار العقل السياسي العراقي لكل طاقاته من أجل منحها أوسع الصلاحيات الإدارية، وتخصيصها بأشد القوانين والتشريعات الاستثمارية تسهيلا وتطورا، ووضعها في أكثر الخطط الاستراتيجية حداثة. على أن يوكل كل ذلك إلى النخب البصرية الداخلية نفسها لتتولى إدارة المدينة بنفسها، لأن البصريين لم يعودوا يثقون بأي شيء له علاقة بالمركز.

البصرة مقبلة على خيار الإقليم بقوة، وحتى لو قبلت الآن بما هو أقل منه فإنها سرعان ما تعود إلى مسار الأقلمة. البصرة لن ترضَ إلا بأن تكون بنحو حقيقي عاصمة العراق الاقتصادية.

أقرأ أيضا