ليس الكورد وحدهم منشغلون بما يعرف بـ”حق تقرير المصير”، فالعرب ايضا يريدون “دولة عربية واحدة”، وهم يعتبرون انفسهم “أمة” جرى التآمر عليها في العصر الحديث، فقسمت، أو جزئت، إلا أن هذه الدعوى والمناداة الملحاحة، لم تسفر عن نتيجة، وانتهت في الحصيلة، وبدل أن تزول الكيانات/ الاقطار، بحسب المنظور القومي العربي الايديولوجي، الى مزيد من التمزق والتفتت، فالمطالبة او رفع الشعارات واقامة الاحزاب، والمحاولات الاتقلابية، ليست كافية لتشكل الامم، اذا هي لم تنضج تاريخيا و”موضوعيا”، وما يفعل في الواقع عند نهاية المطاف، هو القوانين الموضوعية، وليس الافكار او الشعارات المنقولة.
والقول بالوحدة وبـ”القومية”، ليس كافيا لان توجد بالفعل قومية او “امة”، حتى وان وجدت بعض العناصر المشتركة بين الاجزاء، او البلدان التي يعتقد البعض، او قسم من النخب، انها مشتركة، وترقى لمستوى اكتمال قوام “الامة” في العصر الحديث، وقد تكون هذه المناسبة “الكوردية” التي نحن بصددها، من اللحظات النادرة، التي تشجع على إعادة النظر في الايديولوجيات الكبرى، واهمها الايديولوجيا القومية، بالاخص ونحن كما اسلفنا، على مشارف انتقال، واعادة تشكل للعالم جارية من هنا فصاعدا، في وقت تلح مهمة ماتزال متاخرة، ومافتئ نمط واشكال التفاعل معها متاخرا، وعاجزا عن مواكبتها.
ولعل من اهم ما يسري اليوم على القضايا القومية، وممارستها، ضرورة الانتقال من الشعارات والايديولوجيات التي لاتفسر شيئا، الى المنظور المطابق للشروط الفعلية التاريخية والواقعية الحالية، وهذه بالطبع مهمة صعبة، مقارنة بالترديدات الصاخبة عن “حق تقرير المصير”، وكنت قبل سنوات قد كتبت كراسا ضمن سلسلة “دفاتر اخر الزمان” الصادرة في بغداد ضمن منشورات “البديل العراقي”، هو الحلقة الثانية منها، بعد الاولى التي حملت عنوان “تجديد النبوة والثورة الكونية الكبرى الاتية من جهة العراق”/ السلسله تطلب من دار” مصر مرتضى” للكتاب/ في شارع المتنبي- بغداد/ والكراس المعني كان بعنوان (المسالة الكردية من منظور مخالف/ مشكلة محلية ضخمتها الشيوعية الدوغمائية ويدحرها صعود الوطنية العراقية، 2011) با 80 ص، كنت وقتها اعتبره بمثابة منطلق، واساس لرؤية مابعد ايديلوجية، لقضية خطيرة من قضايا العراق الوطنية، استمرت رغبتي في العودة اليها.
فهذا الحافز/ اعادة تشكيل العالم/، هو ما يجب ان يكون المحرك الحيوي اليوم، لحركة الافكار الحية حين تريد التجلي، وهي للاسف غائبة وضيقة الحضور، الا كنبض واشارة الى ضرورة ملحة غير متحققة، مع استمرار طغيان بقايا الايديولوجيات وسطوتها، بل انماط بالية منتهيىة الصلاحية منها، والاشكال الكبير الاخر على المستوى المفهومي وممارسته في منطقتنا، نعثر عليه حتى اللحظة، ان لم يكن في الايديولوجيا المنتهية الصلاحية، ففي أحسن الأحوال، بالخروج الخجول عليها، استنادا لاسسها نفسها، مع مغايرة شكلية لانوعية، في حين يبقى المطلوب والملح، قفزة خارج اطار المنظومة المؤسسة للايديولوجيات الكبرى، وهذه على اهميتها، ما تزال تمثل عبئا وعقبة اخيرة، امام حركة، او ثورة التحول التصوري الضروري التاريخي في منطقتنا.
كاتب وباحث سياسي