صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

القوى المدنية في العراق..الحاجة الى خطاب جريء (1-2)

شاهدت من على شاشة إحدى الفضائيات أحد “الشيوخ” المنضوين في قائمة دولة القانون في برنامج حواري، وهو يسأل ضيف آخر في البرنامج “هل لدى الأحزاب الإسلامية برنامج إسلامي؟ هل ينوي أي حزب إسلامي ان يطبق الشريعة الإسلامية؟” ثم يضيف وهو يعلم إنه يناقض الواقع “كل الأحزاب مدنية في العراق، والدستور مدني، والدولة مدنية” ومثل هذا الكلام سمعته مرات عديدة ولم اسمع –للأسف- ردا من الضيوف من الجانب الآخر يتناسب مع هكذا تشويه للواقع، الغرض منه زرع المزيد من الأوهام في عقول المتلقين ومحاولة نصب وإحتيال واسعة النطاق يراد بها، إعادة تدوير منظومة الفساد والخراب التي غالبا ما تستمريء إستغفال المواطن وإدخاله في مرحلة اللايقين واللعب على ذاكرته المعطوبة من خزين آلام مرحلة الدكتاتورية والإحتلال وما بعدهما من منغصات العيش.

ليس من الحكمة -فضلا عن المنطق- عدم الرد على هكذا إستعراضات بلاغية وكأن المتلقي يسلم بصحتها، بل من الضروري جدا أن يتم التوقف عندها وإزالة الوهم الذي يريد أمثال هذا “الشيخ الإسلاموي” زرعه في عقول العراقيين، فجواب السؤال الأول: يكون من خلال الإشارة إلى أن مجرد إستخدام الخطاب الطائفي، والتخندقات الحزبية المبنية على الإنتماءات الطائفية  هو “برنامج إسلامي” فلا يمكن أن يقول مدني أو- وهو الأصح- “علماني” إن “الشيعة” هم أكثرية ويجب أن يكون رئيس مجلس الوزراء منهم- كما جرى ويجري الحديث بين أركان الأحزاب الدينية بعد كل إنتخابات-، والحديث المقابل في الساحة الطائفية المقابلة، إن “السنة” هم الأكثرية-إذا حسبنا الأكراد- وينبغي أن يكون رئيس مجلس الوزراء منهم أي إنهم يطرحون برنامج “إسلامي ببعد طائفي آخر” مهما إدعوا غير ذلك. أما الإجابة عن سؤال فيما إذا كان هناك أي حزب يريد أن يطبق “الشريعة الإسلامية”؟  الجواب بالتأكيد نعم، والأدلة على ذلك كثيرة منها محاولة تشريع قانون الأحوال الشخصية “الجعفري”، ومنها فرض الحجاب على طالبات المراحل الإبتدائية في المناطق التي تمتلك فيها بعض الأحزاب الإسلامية نفوذا “مسلحا”، ومنها الحملات غير المبررة بين فترة وأخرى لإغلاق النوادي الثقافية ومنها نادي إتحاد الأدباء العراقي لأن “فيه مشروبات روحية”؟ فيما الحديث عن إمكانية فتح نوادي للرقص والموسيقى والغناء، حديث أقرب الى الكفر، ولم يتجرأ أحد بسبب هذه الخلفية الإسلاموية المتخلفة أن يتحدث عن هذه الممارسات بإعتبارها من الحريات الشخصية التي كفلها “الدستورالمدني” الذي يدعون تطبيقه.

والقول “إن كل الأحزاب مدنية في العراق” يناقض متطلبات وأسس “المدنية” التي لا تقيم إعتبارا لمذهب أو دين أو قومية أو جنس المواطن، فكل المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات بصرف النظر عن ما تقدم، وهذا يتناقض مع نظام المحاصصة المبني على أسس طائفية عرقية، فرئيس مجلس الوزراء ينبغي أن يكون “شيعيا” فيما رئيس الجمهورية “كرديا” ورئيس مجلس النواب “سنيا”، هذا هو التقسيم “المدني” الذي سارت عليه العملية السياسية في عراق ما بعد 2003 بقيادة أحزاب الإسلام السياسي”المدنية”.

أما الحديث عن “الدستور المدني” فهي كلمة حق يراد بها الخداع، فلم تطبق أي مادة تتعلق بالحقوق والحريات التي كفلها الدستور، بل لم يتم العمل بأغلب مواد الدستور، إبتداءا من المادة الأولى التي تنص على إن “ جمهورية العراق دولةٌ اتحادية واحدة مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم  فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌ وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق فالعراق ليس “دولة إتحادية” بل هونظام هجين يتمتع فيه إقليم كردستان، بسلطات فيدرالية، فيما لا يتمتع أقرانهم في الجزء المتبقي من العراق بسلطات إقليم، بل يتمتع ذلك الجزء، بسلطات، تسمى-خطا- “إتحادية” فيما هي في الواقع لا تمارس سلطاتها إلا على الجزء “خارج إقليم كردستان” من العراق، وهو ليس نظاما ديمقراطيا، لأنه يعتمد توزيع المناصب على اسس إثنية، وليس على أسس ديمقراطية، وهي ممارسة تلغي مبدأ المساواة بين المواطنين الذي أوجبته المادة الرابعة عشرة من الدستور”المدني” التي نصها “العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييزٍ بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي” فعن أية “مدنية” و”دستور مدني” يتحدث “الشيخ الإسلاموي”؟

الخطاب المدني لا ينبغي أن يكون حبيس ردات الفعل، بل ينبغي أن يطرح آليات عمل مختلفة بخطاب مختلف، خطاب رصيده فشل أحزاب السلطة في أداء مهامها، ونهبها المستمر لمقدرات البلد وتجربة إستمرت مدة 14 عاما من الفشل والخراب وخطاب طائفي عرقي مزق المجتمع وأدى لضياع ودمار ثلاث محافظات ، وهذا رصيد كبير لا ينبغي طرحه خلف ظهورنا، إستخدامهم للمقدس ينبغي أن يكشف على إنه محاولة للنصب والإحتيال أيضا، فالمقدس لم يثنهم عن سرقة أموال البلد والتستر على الفاسدين، هل قام أي من الأحزاب الإسلامية، بكشف فاسديه وتعريتهم قبل أن يفعل القضاء؟

كما ينبغي أن يطرح المدنيون آليات جديدة لحل المشاكل التي يعاني منها البلد، وهذا سيكون محور الجزء الثاني من مقالي هذا.

أقرأ أيضا