صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

الكاظمي بين مصدق والبكر

ابن خلدون في مقدمته يعتقد أن التعامل مع أحداث الحاضر ينبغي أن يقاس بمقياسين مهمين، أولهما مقياس العقل والمنطق الذي يرجح نجاحها من عدمه. وثانيهما العودة الى تجارب ووقائع الماضي ومقارنتها مع أحداث الحاضر، فهي من الممكن، برأي إبن خلدون، أن يتكررحدوثها في المستقبل، وإذا ما تحقق ذلك سيكون المستقبل واضح بدرجة كبيرة .

الكاظمي اليوم يعاني من أزمة ضياع الداعم أوالفاعل المساند له، هو يرى بأم عينيه الحلول، لكنه قد يخطيء في أقيسة المسافات التي تفصل بينه وبين الأهداف المطلوب تحقيقها،إذا لم يدرس الشأن العراقي بماضيه وحاضره وبكل فئاته ومكوناته.

عنصر إبن خلدون الأول يمكن للكاظمي أن يقيسه ويتحقق منه بالمعطيات والمنطق، ويرصده في  كل الإتجاهات، ليرى مدى قربه أو بعده من الأهداف.

عنصر أبن خلدون الثاني الذي يتمثل بالتجارب المشابهة في الماضي لما يحدث في الحاضر، يكاد يكون متوفر لكنه غير شفاف إلى حد هذه اللحظة وغير مرئي من مكريسكوبات وأعين مستشاريه .

الماضي القريب، ماضي الدولة العراقية الحديثة، وماضي بعض الدول الإقليمية الحديثة، متوفر ومعروض على أوراق التاريخ المعاصر، من يتفحص  ويتعمق سيراه ويتلمسه.

هناك تجربتان حديثتان قريبتان نوعاً ما من ظروف العراق الحالية،هما تجربة محمد مصدق رئيس وزراء إيران عام 1952، وتجربة أحمد حسن البكر رئيس جمهورية العراق في السبعينيات من القرن الماضي.

التجربتان إحداهما نجحت والأخرى أخفقت، أخفق محمد مصدق في محاولته عام 1952 لتأميم شركة النفط الإنجلو- ايرانية وطرد كافة الشركات الأجنبية من إيران، سبب إخفاقه كان تدخل أمريكا وفرض إرادتها بالقوة. بينما نجح أحمد حسن البكر في تأميم نفط العراق في حزيران 1972، لأنه فهم الدرس، وحتماً كانت تجربتا كل من مصدق وجمال عبد الناصر حاضرة في ذهنهِ.

الماضي يكرر ذاته اليوم وفي نفس الأمكنة، الكاظمي بنظرة معمقة، سيجد أن وضعه مشابه لوضع مصدق والبكروربما عبد الناصر،مع ترجيح تجربة البكرالأكثر قرباً لما يحدث الآن في العراق، والتي تكاد تكون أصلاً لفروع وأغصان شجرة العراق المتألمة.

الشركات التي كانت تسيطر على نفط العراق منذ بدء إستخراج النفط العراقي من حقل بابا كركر في كركوك قبل 90 عاما، كانت بالدرجة الأولى انگليزية مع بعض الشركات الهولندية، وكانت تستحوذ على نفط العراق بصورة كبيرة وتعطي العراق الفتات.

تأميم النفط عام 1972، كان المشروع الأكثر خطورة، والذي كان يعد بمثابة مغامرة سياسية إقتصادية من قبل حكومة البكر بوجه الامبريالية العالمية.

نجح البكر في وقت ظن الجميع إن سيناريو محمد مصدق وقناة السويس سيطبقان على أرض العراق، ذلك لم يحدث في حينها، وربما أُجل تطبيقه لعدة عقود من لحظة التأميم، لحين توفر ظروف أفضل، لكن المهم أن المغامرين في وقتها نجحوا وأمنوا نفط العراق، وأسسوا شركة نفط وطنية، مسئولة عن إستخراج وتصفية وتصديرالنفط العراقي.

وما يحدث اليوم في العراق، مشابه من حيث الإطار العام، مع ما كان يحدث في العراق خلال السبعينيات ، الأمر لا يقتصر على  النفط والغاز وحدهما،بل يضاف لهما شركات الإتصالات (زين وأسيا وكورك )وشركات توزيع الكهرباء وشركات الموانىء والمنافذ الحدودية والمطارات ومصانع وزارة الصناعة وشركات وزارة الإسكان والقائمة تطول.

كل هذه الشركات، تدعوالكاظمي الآن وليس غداً، إلى التأميم والعودة إلى أحضان الوطن. الكاظمي إذا درس تاريخ العراق الحديث،الذي يبدأ بتأسيس الدولة العراقية في العشرينيات والعصر الملكي وديمقراطيته الناشئة،ومن ثم حكم العسكر والإنقلابات، التي حدثت بعد قتل الملك وعائلته والتحول الى الحكم الجمهوري، وإذا درس ايضاً حرب الخليج الأولى والثانية، سيكتشف الكثير عن طرفي النزاع امريكا وإيران، ويتمكن من معرفة مداخل ومخارج حلول المأزق العراقي، وسيصل في النهاية إلى القرارات الصائبة التي يتوجب عليه إتخاذها لعودة العراق المنهوب إلى أحضان الوطن.

Mayesh21@gmail.com

Asa.iraq25@yahoo.com

أقرأ أيضا