صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

الكاوبوي والهندية الحمراء!

“جون فورد” مخرج أفلام “الكاوبوي” الأمريكية التي تتقن مدينة السينما هوليوود إنتاجها وصناعتها، والتي كرست العشرات من نجوم مدينة السينما لكي يلعبوا أدوارهم في زيف حكايات عن شعب الهنود الحمر. أفلام الكاوبوي تلك، ساهمت في إضمحلال وتلاشي شعب عظيم يعيش على أرضه ليستحوذ عليها شعب متباين الأجناس والجنسيات من البريطانيين والمكسيكيين وأولاد الزنا من شعوب العالم،

وكانت أفلام الكاوبوي المتقنة الصنع، صورة صنيع المحتل لما كان يجري وما آل اليه الواقع الدامي، كانت أفلام الكاوبوي، تصور الهنود الحمر بأنهم شعب من أشباه الحيوانات، يضعون الريش على رؤوسهم ويتنقلون بالخيول عبر المسافات البعيدة، ويتقاتلون بالسهام التي تنطلق من الأقواس، وهو سلاح بدائي كان يستعمل لأغراض الصيد في الأزمان الغابرة. تصورهم أفلام “جون فورد” بأنهم يتحدثون بالأصوات وبالأشارات إذ لا لغة لهم ينفاهمون بها .. هكذا صورتهم هذه الأمريكا حتى تلاشى وجودهم في الحياة وصاروا شعوبا منقرضة في التاريخ الإنساني نستأنس بحكاياتهم على شاشة السينما.

مقطع إعتراضي “من شعر الهنود الحمر” فشعر الهنود الحمر هو شعر فيه الجميل من الخيال التي تقدمه الثقافات الإنسانية كعينات من الشعر المتدفق إحساسا وحنية. وليس شعراً لشعب يتحدث بالأصوات والإشارات.

موت أتاهولبا
عند شجرة “الباكاي” العتيدة، بكى العجوز “أوهو” وأنشد أغنية الموت، فبكت اليمامة الرقيقة، في سجنها المر .. كالطاعون .. حل البيض الغلاة، الباحثون عن الذهب في أرضنا، فهمسوا للأب “إينكا” بالطمأنينة، ولكنهم قدموا له الموت .. بغدر الضبع، ومكر الثعلب، قتلوه كحيوان “الللاما” الصغير.
في السماء تمزق البرق، وسقط الحالوب، وإختفت الشمس، وحل الليل. دفن العجائز والشباب البيض أنفسهم، هربا من الخوف، فكيف لا أشكو مرارتي وأنا أرى الأغراب في أرضي…

“نريد أن نتوحد”
هذا الشعب الذي كتب أجمل الشعر، تصورهم أمريكا أن لا لغة عندهم وهم يتحدثون بالأشارات والأصوات. تصورهم قبائل متناثرة قليلة العديد متناثرة على سفوح الجبال والتلال. وفي كل فيلم ينتج في هوليوود تحكي قصته عن رجل الكاوبوي وقد لمح بين نساء القبيلة هندية حمراء فاتنة الجمال ببشرتها الوردية الحمراء وشعرها التمري وعيونها الخضر، فيأخذ عربته التي تجرها الأحصنة ويضع البندقية إلى جانبه والمسدسين في حزام جانبيه، وصف الرصاص على صدره، متوجهاً نحو التلال البعيدة وهناك تستنفر القبيلة، فيحمل أبناؤها السهام والأقواس  التي تطلقها، ويبدأ الكاوبوي بأطلاق النار، وهم لا يعرفون البارود قاتلا ويتساقطون أمامه فيهربون عائدين نحو قراهم البعيدة، لكنه يرمي نحوهم الحبل ذي الحلقة الواسعة ويلتف حول جيد الهندية الحمراء فتسقط من حصانها ويقفز ليحملها إلى عربته والكاميرا تصورها وهي في العربة إلى جانب رجل الكاوبوي، في سحنتها الساحرة الأخاذة وشعرها يتطاير في الهواء وهي لا تجيد الكلام. يصل إلى البار الذي يجانب الأوتيل ويرشف كأسا من الويسكي، ثم يأخذها نحو غرفته وهناك يطبع قبلة لا تعرف طعمها في البداية حتى يغمرها الحب والعاطفة وتنتهي قصة الفيلم، لنرى بعدها فيلما آخر بنجوم جدد وهندية حمراء فاتنة في قصة مشابهة مختلفة، حتى بات الهنود الحمر مجرد شعب منقرض على شاشة السينما، لم يبق منه سوى “مارلون براندو” الهندي الأحمر من بقايا الهنود الحمر، ويرفض تسلم “الأوسكار” إحتجاجا على إبادة شعبه صاحب الأرض والذهب!

نفس الأمريكا هذه المتنوعة الأجناس من المكسيكيين والبريطانيين ومن سقط المتاع من أبناء الزنا، ينظرون إلى العرب من شرقهم إلى غربهم ومن شمالهم إلى جنوبهم وقد رسموا لهم مخططا للأبادة والإنقراض والتلاشي كما الهنود الحمر، فهم ينظرون للعرب في مواجهة حاملة الطائرات “جيرالد فورد” دون أن يتعلموا صناعة البارود ولا شظاياه، ظنا منهم أن السيف هو سلاح الحروب الممض، فهو الذي يحتزون به رأس من يخالف أولي الأمر، فماذا يكون بوسع  حاملة الطائرات “جيرالد فورد” أن تعمل وهي تسبح في مياه شرق المتوسط وتواجه سيوفا شاهرة في السماء تراقصها أنغاما صوتية، آتية من غبار البادية والصحارى اللامتناهية الأبعاد!؟ 

إن لسعة البارود المميتة من بندقية الكاوبوي الأمريكي ومسدسه، والتي تسقط أول بضعة أبرياء من  الهنود الحمر االقادمين من قراهم في سفوح الجبال، تجعل المجموعة السكنية المقاتلة تفزع من موت غريب ينطلق من آلة لا تملك كفاءتها السهام المنطلقة من الأقواس، تلك السهام التي تسقط النسور المنقضة نحو  ضحاياها وتسلخ الريش من أجسادها لتصنع منها عقالا على رؤوس شيوخ العشيرة الهندية الحمراء. وكما الهنود الحمر تزحف هذه الأمريكا نحو بلداننا العربية وتسميها الشرق أوسطية حتى تضم في خارطتها الهندية الحمراء الجميلة ذات الشعر التمري والعيون الخضر والبشرة الوردية “إسرائيل” كي تحضنها وينامان على سرير واحد يغمرهما العشق التاريخي ونشوة الحب وهمسات نشوة الفراش االعارمة!

هذه هي صورة الصراع الأمريكي العربي، وليس غير، فنحن لسنا أمة كتبت الشعر المقفى وسحرت الأجبال ببحور الشعر وقوافيه وموسيقاه ونحتت رموز الحياة ومضامينها من الصخر وجعلته ناطقا في التاريخ، وعلمت البشرية الكتابة والقوانين، فإن على هذه الأمريكا أن تمحو ذلك التاريخ العريق والحضارة الأبدية.. فوسائل الإضمحلال ومن ثم الإنقراض واضحة مرئية، لكن شيوخ وملوك البلدان العشائرية والعائلية التكوين، لا تريد أن تعرف شروطها، وفي كل قرية على سفوح تلالنا تكمن ثقافة استيراد الملابس العربية الجاهزة يتم “تصنيعها” وإستيرادها من تايوان، وثقافة العطور والملابس الداخلية للنسوان يتم تصنيعها من شانيل فرنسا، فمحوا ثقافة التصنيع حتى في أبسط حالاتها لتشكل شرطا من شروط إضمحلال هذا الشعب العريق، وليس هو شعب أول الحضارات الإنسانية، فحسب، بعد أن فرضت علينا الخرافة وثقافة الخرافات وتحويلنا إلى شعب مستهلك وليس شعبا منتجا وهو شروط من شروط الإنقراض. وهذه الأمريكا تظن أننا شعوب ولسنا شعبا، لا يفهم بعضه البعض. نحن أمة صوتية تتفاهم بالإشارات ولا تجيد المحادثة، شعبا يسودنا الجهل ولم نكتب الشعر يوما. وما يسمى بالحضارة فهي مجرد شواهد صخرية مدفونة في تراب الأرض، شواهد تأخذها لتوضع في متاحف الغرب ويشاهدها جمهور المشاهدين مقابل جنيه أسترليني يثري ميزانية البلدان المستعمرة .. شواهد للفرجة على التاريخ المدفون! 

ومن شروط الإنقراض والإضمحلال لهذا الشعب العربي، أن يختاروا هم قادته ليمكثوا حراسا أمناء لمصالحهم، وتبقى الهندية الحمراء “إسرائيل” فاتنة الجمال لرجل الكاوبوي الأمريكي تبقى نائمة في سرير العلاقة الأبدية.

ذات ليلة نائمة وناعمة سمعوا أصوات البارود وليس صليل السيوف، تنطلق من تلال فلسطين وجبالها لا من جبال وتلال الهنود الحمر المنقرضين .. سمعوا هدير أمواج البحر آتية من  عسقلان وحيفا، وصيحات من سموات القدس، وصمت طائرات شراعية تسبح في سموات الله، وهدير زواحف سائرة!
فتية  إتخذوا قرار رد الإعتبار لإنسانيتهم وإنسانية أهلهم، بعد أن نزفت حياتهم دما لأكثرمن نصف قرن من الزمان، وفرض عليهم الحصار في وطنهم وفي الشتات فقرروا أن لا تروى عنهم يوما رواية الهنود الحمر، ونرى الهندية الحمراء وحدها على شاشة السينما وتنمحي من الوجود قرى بأكملها كانت في يوم ما على سفوح الجبال والتلال أو على ساحل البحر، ومدناً ذهبية في شوارع وطن كان أسمه بالأمس القريب  فلسطين.

 برغم ما قيل عن أولئك الفتية الشجعان، وما يقال وما سيقال، في الزمان أو في المكان أو في اللازمان وفي اللامكان، فـ”إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى!”

أقرأ أيضا