قبل فترة ليست بالقصيرة، كنت أستمع الى الدكتور عدنان ابراهيم وهو يتكلم عن نظرية التطور لجارلس دارون عبر سلسلة من الحلقات تصل الى 30 حلقة، يدافع فيها عن صحة تلك النظرية ووجودها، وفي نفس الوقت هو لا يعتبرالإقرار بصحة تلك النظرية تناقض مع الدين. كنت أحاول عدم الاقتناع بكل المبررات التي كان يقدمها الدكتور عدنان ابراهيم، والتزمت الصمت حولها، لكني كنت أتساءل بهدوء وأُدقق لأجد ما ينفي صحة وجود تلك النظرية، وأهتديت الى نقطة مهمة يمكن لها أن تضعف في نفسي ما توصل اليه دارون ومن ثم دكتور عدنان ابراهيم، وتسند الموقف الديني الذي يناقض كل طروحات تلك النظرية، النقطة المهمة، هي لماذا حدث التطور مرة واحدة قبل 350 مليون سنة وتوقف؟ في كلمات أخرى لماذا الأسماك توقفت عن التطور ولم تعد برمائيات وطيورا وكلابا وذئابا وقرودا، وكذلك القرود لم لم تحاول مجدداً أن تتطور وتصبح انساناً؟
الكاتب الروسي الكسندر نازاراخوف كتب مقالاً مثيراً يتحدث فيه عن فرصة نهضة وإزدهار العرب من جديد، وعند قرائتي للمقال وجدت إجابة الى حداً ما تقنعني عن تساؤلي وتعزز وتثبت اعتقادي بخلق الله للكون.
نازاراخوف يقارن العرب وبقية الدول المتقدمة بالسمكة التي واصلت التطور قبل 350 مليون سنة الى أن تغيرت وأصبحت انساناً، حدث ذلك عندما كانت الأرض خالية من المخلوقات، فتطورت الاسماك وأصبحت برمائيات وطيوروكلاب وذئاب وقرود وأخيراً انسانٌ عاقل، تطورت لانعدام وجود كائن حي ينافسها ويمنعها من تطوير نفسها، أو يمكن القول بسبب خلو الأرض تماماً من سلسلة التطور التي وصلتها السمكة بعد ملايين السنين.
نترك دارون ونظريته حول تطور الاسماك والطيور والقرود جانباً، ونتحدث عن مقال الكسندر نازاخاروف الصادم للعرب، فهو يقول إن فرصة فشل تطور وإزدهار العرب تصل الى 99% ويبقى لهم 1% كفرصة متاحة للتطور، وينبغي للعرب ضمن هذا الهامش الضعيف إذا ما أرادوا التطور والازدهار، الوقوف مع روسيا والصين ومصارعة الانسان المتطور بكل أنواعه الذكية والمفترسة.
أي مصير ينتظرنا نحن العرب! في الوقت الذي تمنع فيه امريكا كل من الصين وروسيا بكل الوسائل المتاحة لها من بلوغ أعلى مراحل التطور، وهما قريبتان جداً من آخر مراحل التطور البشري، فكيف الحال بالنسبة للعرب الذين هم في ذيل القائمة، وهم دول مواد خام للغرب، الذي يمتلك العلم والقوة ولا يسمح للغير من امتلاكها.
ويضيف الكسندر إن هامش الـ1% يمكن للعرب تحقيقة، في حال تطورت الصين وروسيا وواصلت اللحاق بامريكا واوربا، وهي دعوة غير مباشرة من الكاتب للعرب لدعم الصين وروسيا لكي يضمنوا نسبة الواحد 1 بالمائة المتاحة. ولا أعرف كيف استطاع نازاراخوف الوصول الى هذه الحسبة ويمنحنا هذا الواحد.
بالنسبة لنا كعرب وكطامحين في يوم ما أن نتطور، أن نسبة الواحد بالمائة هي نسبة ضعيفة ونرى إن في الأفق نسبة أعلى من ذلك، تصل وتصعد الى العشرة أو العشرين أو الثلاثين أو الخمسين بالمائة، تصعد هذه النسبة اذا ما أأأااكملنا حروبنا وصراعاتنا التي حتماً سيكون لها موعداً تختم فيه، ولن تبقى مشتعلة، حالها حال حروب أوربا التي توقفت قبل مئات السنين وجلبت لهم التطور بعد توقفها.
اوربا حاربت وقتلت الهنود الحمر في امريكا، واستخدمت أمريكا القنابل الذرية ضد اليابان وخاضت حربين عالميتين ليستقر بهما الحال كدول متطورة وصلت أعلى مراتب التطور، ولن تسمح لبقية الدول أن تتطور وتتساوى معها في التطور، ولن تسمح أيضاً لنفسها أن تهبط مراتب اذا ذما تطور غيرها. هكذا يرى نازاراخوف العالم بقيادة أمريكا.
العرب كانوا قريبين من التطور العلمي في فترة الدولة العباسية وخصوصاً في فترة حكم المأمون، ولو قدر لتلك الدولة أن يأتيها مثل المأمون إثنان أو ثلاثة لواصلت النهضة الثقافية، ومن ثم العلمية ولتطور العرب قبل اوربا وامريكا منذ ذاك الزمان. في الوضع المتردي الحالي، العرب لديهم فرصة للتطور ومزاحمة العالم، فهم يمتلكون الثروة البشرية التي لا تحتاج الا إدارة حقيقية للموارد المتاحة لها، مع تنمية مجتمعية تخلق مجتمع متماسك يحترم العلم والثقافة ويبني نفسه بطريقة تجعل منه منتجاً.
يعتقد نازارخوف من إن الإنفجار السكاني الذي يحدث عند العرب مع غياب الخطط التنموية سيولد بكل تأكيد مجاعة وأمراض وحروب. نعم هذا يحدث الآن عند العرب، وممكن في نفس الوقت أن تشكل هذه الكثافة السكانية قيمة مضافة الى الموارد الطبيعية والموقع الجغرافي والعقول اذا ما توحد كعرب بدولة واحدة، تتكلم لغة واحدة وتنتج بمصانع عربية وتبيع بأسواق عربية، فأن النتيجة ستكون في صالح العرب وينتهي شبح المجاعة. دليلنا في ذلك إن العقول العربية متميزة وتجد مكاناً عالياً لها في المؤسسات الغربية بسبب الفرص المتاحة لها هناك، وسيأتي اليوم الذي تتوفر نفس الفرص في البلاد العربية ليتمكن العقل العربي من صناعة الماكنة وربما يستورد المواد الخام منهم لادامة صناعته واسواقه.
الحروب ستنتهي يوماً وستكون هناك عودة لروح النصر والإزدهار عند العرب التي أورثها الإسلام قبل ألف وأربعة مائة عام، ستعود تلك الروح وتُهزم روح الانهزام والتبعية، وتعود بغداد ودمشق والقاهرة ومكة والمدينة والقدس وحيفا ويافا والأندلس وطرابلس والمغرب والجزائر حواضر عربية اسلامية.