ربما لا يختلف الكثيرون، ان هناك تساهلاً او حتى تسهيلاً حصل من القوى الأمنية سمح لبضع مئات من المتظاهرين بدخول المنطقة الخضراء والبرلمان، في حين ان عشرات آلاف التشرينيين لم يستطيعوا فعل ذلك طوال أشهر، قمعوا حينا من رجالات الأمن والمليشيات المدعومين من الاطار، وحينا من رجالات القبعات وغيرهم من التياريين.
ولا يختلف الكثيرون ان التيار الصدري كما معظم منافسيه الآخرين مستعد دائما لتجاوز القوانين (بما فيه قواعد حق التظاهر السلمي) لتحقيق أهدافه.وانه مستعد لضرب وخرق هيبة المؤسسات وتعطيل ما بقي منها طالما توافق الأمر مع مصالحه، ومستعد لضرب منافسيه وحتى شركائه وفق القواعد السياسية أو دونها.
ولا يختلف الكثيرون، ان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي مستفيد من اقتحام الخضراء والبرلمان، وبالتالي من الطبيعي ان يكون سعيدا بالخطوة وان تأتي بيانات مكتبه مرتبكة وضعيفة وخارج دائرة التأثير والاهتمام.
يجمع المتابعون ان الاطار في مأزق، قد يتحول الى أزمة معقدة ومستفحلة، فعليه ان يعرف برنامج منافسه الشرس التيار، هل يرفض الأخير اي حكومة يقودها الاطار بغض النظر عن اسم القائد؟ أم يمكن ان يقبل بحكومة يقودها الاطار باسم محدد متوافق عليه وبشروط محددة كاجراء انتخابات مبكرة وعدم القيام بتغييرات حقيقية في مكتب رئاسة الوزراء وفي المواقع الأمنية؟
واقعا لا يملك الاطار الا فتح خطوط تواصل مباشرة مع التيار لمعرفة برنامجه المستقبلي القريب، في وقت ان التيار معروف بتقلباته الكثيرة.
والحقيقة ان التيار رغم امتلاكه قوة التعطيل، التي كان يملكها الاطار أيضا، لكنه لا يملك قوة الحل منفردا، فحتى أيام وجوده القوي في البرلمان وحين خدمه قانون الانتخابات بشكل غير مسبوق لم يكن يملك الا ربع مقاعده التي لم تكن كافية لقيادة البلد. ويستبعد ان تفرز اي انتخابات مقبلة تغييرا جوهريا في حجوم القوى في الفريقيين الشيعيين.
نعم يمكن للتيار تعطيل الحكومة والبلد عبر تحركاته السياسية او أذرعه الشعبية والمسلحة، لكنه منفردا لا يملك الحل.
موقف رئيس البرلمان محمد الحلبوسي شائك أيضا، ولم يحسم أمره (لذا تراه في معظم الأوقات ساكت يكتفي بكتابة انشاءات مدرسية تعليقا على وقائع مفصلية) فقد يخسر موقعه اذا تمرد على مشروع الاطار التنسيقي وحاول تعطيله، خاصة اذا حصل توافق (بشكل ما، أو على اسم ما) بين الاطار والتيار لاحقا، وهذا امر يظل في السياسة واردا. كما انه قد يخسر موقعه أيضا اذا ما ذهب مع الاطار دون ارادة التيار وحصلت انتخابات مبكرة.
وموقف الديمقراطي أيضا معقد، لكنه أكثر وضوحا وتأثيرا، فهو مستفيد من دخول انصار التيار الى البرلمان وتهديدهم بتعطيل اي جلسة مقبلة له لاختيار رئيس الجمهورية ولاحقا الحكومة، فهذا التهديد يعني تعطيل حصول منافسه الاتحاد الوطني على موقع الرئيس.
ويعني ان لديه فرصة قد تطول وتتمدد لترتيب اوراقه مع الاتحاد او الاطار او حتى مع التيار، لكن مشكلته تكمن في كونه سيظل رهينا لما سيقرره التيار، فهل سيوافق السيد الصدر على تغيير مرشح الاطار الحالي بآخر مقبول من الطرفين يقود مرحل انتقالية قصيرة؟ ام انه قرر استمرار الكاظمي والذهاب معه لانتخابات مبكرة؟ اذا كان الخيار هو الثاني فلن يدخل الديمقراطي بلعبة المفاوضات والتسويات مع الاطار وسيهدد بالبقاء خارج مساع تشكيل الحكومة الجديدة مدعوما بموقف شريكه السابق التيار، لأن تلك الحكومة من الصعب ان تكتمل ومن السهل أن تنهار.
في النهاية التسويات قد تحضر، والا فان نار التوترات تهدد جميع شركاء قصعة السلطة المتخاصمين. والكل عليه ان يخشى التداعيات، فالشعب غاضب من جميع الحاضرين في المشهد (شمالا وجنوبا) جميع المشاركين في حكومات محاصصات المغانم باسم المذهب والقومية، المتنازعين اليوم على حصصهم في السلطة تحت غطاء الأغلبية أو التوافقية.