الليبرالية وكما هو معروف لدى القارئ الكريم: فلسفة سياسية اجتماعية اقتصادية تتضمن أفكار الحرية والمساواة، وتندرج تحتها أنواع مختلفة كحرية الرأي والحرية الدينية والسوق الحر.. الخ.
وإذا اعتبرنا جماعة الأهالي التي تأسست عام ١٩٣٢ أول جمعية سياسية ذات توجهات ليبرالية في العراق، فان تأسيس الاحزاب والحركات الليبرالية توالت فيما بعد، لكنها تمثل جيلا واحدا من الليبرالية في العراق، كونها واضحة الملامح والأبعاد التنظيمية والفكرية، ولم ينشأ بعدها جيل آخر كتيار سياسي اجتماعي إلا في العام ٢٠١٠ حيث تفاعلت معه تصاعديا تظاهرات شباط فبراير من العام التالي (٢٠١١)،وكانت مادته الخام من الفئات الشبابية المتطلعة للحرية والانفتاح والإعجاب بالتجارب الغربية في أنماط العيش والرفاهية، وكذلك التخلص من القيود الدينية والاعراف الاجتماعية الخانقة -بنظر مريدي هذا التيار- أما منظروه الكبار -وان لم يكن وصف المنظرين دقيقا- فهم من الحرس العلماني القديم من بقايا الأحزاب الشيوعية واليسارية.
وصفه بالتيار قد يكون دقيقا نوعا ما لوقوفه في قبال بعض التيارات السياسية المشاركة في العملية السياسية والممثلة في البرلمان ، وهي في حقيقتها لا تمثل سوى أحزاب أحادية الرأي ولا تحتوي على أي تنوع فكري أو سياسي أو طائفي.
إن هذا التيار الذي ينسق ويرتب صفوفه وكذلك أفكاره منذ سنوات يضم بداخله أنماطا مختلفة ومتباينة من الآراء الاجتماعية والسياسية ، كالموقف من دور الدين في السياسة ، وفي السلوكيات الاجتماعية ، والتشريعات القانونية ، والمواقف من العادات والأعراف الاجتماعية ، والموقف من الاصطفافات السياسية في الشرق الأوسط.
ورغم النضال المرير لمريدي هذا التيار وحجم المعاناة القاسية في بيئة كالعراق تمتزج فيها البداوة بالتمدن، والأصولية الدينية بالعلمانية، والعسكرتارية بالمدنية وصراع الطبقات الاجتماعية، إلا أنهم مستمرون في اندفاعهم بلا يأس أو ملل.
ورغم الاندفاع العنيد، إلا أن خطوات هذا التيار وتحركاته غالبا ما تكون ارتجالية، ومبنية على تقلبات الشارع ومزاجه، وتحكمها أحيانا علاقة المواطنين بالسلطة، وبنوع الخدمات التي تقدمها الحكومة، وأن غياب الستراتيجية في العمل هو عامل ضُعف يبطئ من نمو هذا التيار، ويجعله خاضعا لتقلبات طقس المزاج الشعبي في العراق.
ولعل هذا الأمر يرجع لأسباب بروز هذا التيار، وهي لم تكن عن قناعات ايديولوجية وحاجات فكرية بقدر ما هو تجمع للغاضبين والناقمين من أداء المحسوبين على خط الاسلام السياسي في السلطة، ولربما تصعد الأسهم السياسية لهذا التيار وفقا لشعبية غاضبة من الأوضاع وراغبة بالتغيير، وان لم تكن ليبرالية على المسطرة.
ومن نقاط قوة هذا التيار أنه يفتقد للرمز، الرمز الذي بات عبئا ثقيلا على التيارات والأحزاب السياسية الدينية والقومية من خلال انعكاس أخطاء وهفوات واحيانا مزاجيات هذا الرمز على باقي مفاصل التيار أو الحزب وحتى الكوادر الصغيرة أمام المجتمع العراقي وأمام باقي الأحزاب.
فترى الشاب الليبرالي اليوم يتحرك بكل أريحية وهو لا يحمل اي تبعات أو أثقالا تاريخية، كونه يدعي الاستقلالية، ولكن في عمق عمله تجد وبوضوح الانتماء السياسي لمدرسة فكرية واضحة المعالم، وهناك أمثلة لامجال لذكرها.
ختاما.. إن نشوء تيارات متباينة فكريا وايديولوجيا هو من عوامل التعافي السياسي لبلد خرج من منعطفات دكتاتورية فظيعة نأمل ان لا ينحدر لها مستقبلا .