بفعل استبعاد العديد من المرشحين الاصلاحيين من خوض انتخابات مجلس الشورى الاسلامي (البرلمان) بقرار من مجلس تشخيص مصلحة النظام بتهمة عدم الايمان بالمبادئ الاسلامية وقيم الثورة الاسلامية للإمام الخميني، شكل هذا فرصة كبيرة امام تيار المحافظين بالنزول الانتخابي بجبهتين (المحافظين الجدد) و(المحافظين الاصوليين) وحققا فوزاً ساحقاً، لكن حال دون توحيدهم داخل الشورى بدورته الحادية عشر، بل عمق من فجوة الخلاف بينهما بسبب تولي محمد باقر قاليباف الجنرال بالحرس الثوري الايراني (سباه) ليكون الرئيس السابع للشورى، بدعم من قبل المحافظين الجدد، فهذا الرجل بناءً على تاريخه وبنيته العقائدية السياسية يريد قيادة البرلمان بأجندة تتعارض مع سياسات الاصوليين الذين يتطلعون لتقليل الدعم المقدم الى الحرس الثوري في جبهة النفوذ الخارجي وزيادة التركيز على تحسين الوضع المعاشي المتردي، لإيمانهم بخسارة شعبيتهم الذي يمهد لثورة داخلية مرتقبة او صعودا جديدا للتيار المنافس (الاصلاحيون).
وبين هذا ما نشرته صحيفة “شرق” الايرانية من ان أحمد خورشيدي، والد صهر محمود أحمدي نجاد (الاصولي)، بعث برسائل إلى الأعضاء المنتخبين في الشورى الجديد، بهدف دعم رئاسة “علي نيكزاد” للشورى وافشال قاليباف. فيما اظهر قاليباف خطته في اول خطاب له داخل البرلمان يوم الاحد المصادف 31 ايار مايو 2020، ان استراتيجية الشورى الجديد (مواصلة الثأر لدماء قاسم سليماني).
المتغير الاهم في خارطة مجلس الشورى الايراني هو تصويت الاصلاحيين لقاليباف مرشح المحافظين الجدد، وافشال تمرير نيكزاد المدعوم من قبل الاصوليين، لكنهم في ذات الوقت مضوا لتأسيس تحالف مع الاصوليين (جبهة احمدي نجاد وجبهة الصمود بزعامة مرتضى اغا طهراني) واقناعهم بالمشتركات والقناعات التي ينوي الاصلاحيون تنفيذها على مستوى الامور الخدمية والمعاشية، وتحقيق ما يلي:
1/ ضمان بناء تحالف مع الاصوليين يحقق لهم التوازن داخل المجلس، ويفوت الفرصة على اي مسعى لتوحيد صفوف المحافظين، وتضييق الخناق على قاليباف ورفاقه الذين يعتقدون ان الحرس الثوري يمثل جمجمة الجمهورية الاسلامية لا غيره، ويسعون لمنحه دورا اكبر للحرس الثوري.
2/ اعطاء اشارة غزل الى قاليباف، بعد ان اسهمت اصوات الاصلاحيين بمنحه الرئاسة، تتضمن رغبتهم في طي صفحة الماضي، وفك الانسداد، بفعل سياسة علي لاريجاني بمعادة الاصلاحيين، وابداء انسجاما وتعاوناً مع الرئيس حسن روحاني من اجل تعزيز استدامة عمل الوزارات بعد حزمة العقوبات الأميركية القاسية.
3/ اعادة ترتيب اوراق السياسة الخارجية الايرانية المتعلقة بادارة ملفات دول المنطقة التي تصنف ضمن المحور (العراق وسوريا ولبنان وفلسطين والبحرين واليمن وافغانستان)، بعد فترة طويلة من تفرد المحافظين، عبر الحرس الثوري بهذا الملف، بعيدا عن وزارة الخارجية والاستخبارات والمخابرات (الاطلاعات) والامن القومي، وهو اكبر ما يزعج الاصلاحيون، حتى ان وزير الخارجية جواد ظريف استقال من منصبه قبل نحو عامين بفعل زيارة الرئيس السوري بشار الاسد الى طهران بترتيب من قبل قائد الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني ومستشار المرشد علي اكبر ولاتي دون التنسيق معه.
على اية حال، فان الاصلاحيين وجدوا في حادثة اغتيال سليماني فرصة لتدافع محموم مع المحافظين في ادارة ملف العراق وكان مبعوثهم علي شمخاني رئيس مجلس الامن القومي قد تمكن خلال زيارة لبغداد بعد ايام على حادثة اغتيال سليماني وارغام الاطراف الشيعية المؤثرة لترشيح مصطفى الكاظمي رئيساً للمرحلة الانتقالية، الا ان المحافظين قد استشعروا ان ذلك قد يشكل بيئة خصبة لتحكم الاصلاحيين وتماديهم على مناطق تحكمهم عبر مؤسساتهم العسكرية والاقتصادية المرتبطة بفليق القدس ووكلائه مما دفعهم الى اثارة اعلامية غير مباشرة عن تورط رجال امنيين كبار من العراق في التعاون باغتيال سليماني، ووجهت اصابع الاتهام مباشرة الى الكاظمي الذي يحظى بصداقة مع الاصلاحيين وعلى رأسهم علي شمخاني.
كما انها فسرت اتهاماً بتورط الاصلاحيين المعاديين لسليماني وبمحاولة الاستحواذ على وظيفته من خلال شمخاني الرجل العربي الاهوازي الذي يتمتع بعلاقات واسعة مع مسؤولين عراقيين من مختلف المكونات الشيعية والكردية والسنية. الا ان التفاهمات الداخلية اسهمت بقبول خطة الاصلاحيين بشان العراق، وبدأوا بالضغط على وكلائهم من فصائل مسلحة، وكتل سياسية، وشخصيات مؤثرة في القرار السياسي كزعيم تحالف الفتح هادي العامري وزعيم دولة القانون نوري المالكي، والموافقة على تمرير الكاظمي كخيار وسطي يساعد على ادارة الازمة مع واشنطن لمدة عام.
ويبقى شمخاني يشكل خطرا بالغا على المحافظين الجدد، فالرجل بدأ يزاحم وظيفة فيلق القدس الايراني، بعد ان نجح بازاحتهم من ادارة ملف التفاوض مع حركة طالبان، وحقق جولتين تفاوضية الاولى في باكستان والثانية في قطر، وكانت قد اثيرت معلومات عن مساعدة من قبل اطراف عراقية من بينهم رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي في تحقيق هذه الجولات.
وعلى اساس ذلك، نقلت وكالة فارس المقربة من الحرس الثوري عن مصدر مسؤول تحدث عن مساعي قاليباف وكتلته السياسية بتكليف حسن لاريجاني اخ الرئيس البرلمان السابق علي لاريجاني أمينًا للمجلس الأعلى للأمن القومي مع انتهاء ولاية روحاني العام المقبل.
وتأسيسا على ذلك، وجد الاصلاحيون ضرورة التقرب الى المحافظيين الاصوليين لايقاف تمرير تشريعات جديدة ربما تقلص من الحراك الاصلاحي الساعي الى تقليم اضافر الحرس الثوري من الداخل، وايقاف سطوته في قيادة السياسية الخارجية في مناطق النفوذ، الا ان المحافظيين الجدد وعبر “مجلس تشخيص مصلحة النظام” مرروا تشريعا يلزم حكومة روحاني بتزويد فيلق القدس التابع للحرس الثوري مبلغ 200 ملیون یورو من موارد صندوق التنمية الوطني لتعزيز القوة الدفاعیة.
وفق المرحلة ومقتضياتها، يبدو ان قاليباف لا يشبه سلفه علي لاريجاني رئيس الشورى السابق المصنف بـ”الاصولي المعتدل” الذي يقف دوما في المنطقة الرمادية بين المحافظين والاصلاحيين، لمكانته وتاريخيه السياسي وثقل علاقته الاقليمية والدولية، وكان يرفض املاءات علي اكبر ولايتي مستشار خامنئي الاول، بشأن تهميش المعارضين للمحافظين الجدد ممن دعموا الحراك الاحتجاجي العام الماضي، وعلى وجه الخصوص محمود احمدي نجاد وجماعة جبهة الصمود، بالتالي فان قاليباف سيكون هذه المرة مطيعاً حقيقياً لولايتي ويعمل على سياسة تقويضيةً وبأساليب عدائية تجاه الاصوليين المحافظين، وهو ما سيعمق الشرخ في جبهة المحافظين الفترة القادمة.
*صحافي وكاتب متخصص بالشأن السياسي في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا
ahm_198950@yahoo.com